التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٧١
فغفرت لهم فأنت العزيز الحكيم.
ومن ذهب إلى أن قول الله " يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس " إخبار عما مضى وأن الله قال ذلك عندما رفعه إليه، قال: إنما عنى عيسى ان تعذبهم بمقامهم على معصيتك فإنهم عبادك وان تغفر لهم بتوبة تكون منهم، لان القوم كانوا في الدنيا لان عيسى لم يشك في الآخرة أنهم مشركون. وقد أنطقعت التوبة، وإنما قال ذلك في الدنيا وجعل قول الله تعالى " هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم " جوابا للرسل حين سألهم ماذا أجبتم " قالوا لا علم لنا " فصدقهم الله في ذلك. ومثل ذلك قال عمرو ابن عبيد والجبائي والزجاج وكلهم شرط التوبة. وهذا الذي ذكروه ترك للظاهر وزيادة شرط في ظاهرها ليس عليه دليل. وقوله " ان الله لا يغفر ان يشرك به " (1) إنما هو اخبار لامة نبينا بأن لا يغفر الشرك ولا نعلم أن مثل ذلك أخبر به الأمم الماضية فلا متعلق بذلك. ويمكن أن يكون الوجه في الآية مع تسليم إن كان عارفا بأن الله لا يغفر أن يشرك به وانه أراد بذلك تفويض الامر إلى مالكه وتسليمه إلى مدبره والتبري من أن يكون له شئ من أمر قومه، كما يقول الواحد منا إذا تبرء من تدبير أمر من الأمور ويريد تفويضه إلى غيره: هذا الامر لا مدخل لي فيه فان شئت أن تفعله وان شئت ان تتركه مع علمه ان أحدهما لا يكون منه.
وقوله " فإنك أنت العزيز الحكيم " معناه انك القادر الذي لا يغالب وأنت حكيم في جميع أفعالك فيما تفعله بعبادك و وقيل معناه " انك أنت العزيز " القدير الذي لا يفوتك مذنب ولا يمتنع من سطوتك مجرم " الحكيم " فلا تضع العقاب والعفو الا موضعهما. ولو قال: الغفور الرحيم كافيه معنى الدعاء لهم والتذكير برحمته، على أن العذاب والعفو قد يكونان غير صواب ولا حكمة فالاطلاق لا يدل على الحكمة والحسن. والوصف بالعزيز الحكيم يشتمل على العذاب والرحمة إذا كانا

(1) سورة النساء آية 47، 151.
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»
الفهرست