التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ١٢٥
الوقف عند قوله " الذين يسمعون " ومعنى الآية إنما يستجيب إلى الايمان بالله وما أنزل إليك من يسمع كلامك ويصغي إليك، والى ما تقرأ عليه من القرآن وما تبين له من الحجج والآيات ويفكر في ذلك لأنه لا يتبين الحق من الباطل الا لمن تفكر فيه واستدل عليه بما يستمع أو يعرف من الآيات والأدلة على صحته، وجعل من لم يتفكر ولم ينتفع بالآيات بمنزلة من لم يستمع كما قال الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديت حيا * ولكن لا حياة لمن تنادي (1) وكما جعله الشاعر بمنزلة الأصم في قوله:
أصم عما ساءه سميع (2) وقوله " والموتى يبعثهم الله " معناه ان الذين لا يصغون إليك من هؤلاء الكفار ولا يسمعون كلامك ان كلمتهم، ولا يسمعون ما تقرأه عليهم وتبينه لهم من حجج الله وآياته، وينفرون عنه إذا كلمتهم بمنزلة الموتى، فكما ان الموتى لا يستجيبون لمن يدعوهم إلى الحق والايمان، فكذلك هؤلاء الكفار لا يستجيبون لك إذا دعوتهم إلى الايمان، فكما آيست ان يسمع الموتى كلامك إلى أن يبعثهم الله والى ان يرجعوا إليه، فكذلك فآيس من هؤلاء أن يسمعوا كلامك وأن يستجيبوا لك. وبين أن الموتى إذا بعثهم الله بمعنى أحياهم انهم يرجعون بعد الحشر والبعث إلى الموضع الذي لا يملك الحكم فيه عليهم غير الله تعالى، ولا يملك محاسبتهم وضرهم ونفعهم غيره، فجعل رجوعهم إلى ذلك الموضع رجوعا إلى الله وذلك مستعمل في اللغة:
وقال مجاهد: " إنما يستجيب الذين يسمعون " يعني المؤمنين يسمعون الذكر " والموتى يبعثهم الله " يعني المشركين الصم يبعثهم الله فيحييهم من شركهم حتى يؤمنوا " ثم الينا يرجعون " يوم القيامة.

(1) مر هذا البيت في 1: 64 وهو مشهور.
(2) انظر 2: 80.
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»
الفهرست