التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ١١٤
المراد بها الرؤية! فلا بد للجمع من التأويل الذي بيناه. ويجوز أن يكون المراد بذلك إذا عرفوا ربهم، لأنه سيعرفهم نفسه ضرورة في الآخرة، وتسمى المعرفة بالشئ وقوفا عليه يقول القائل: وقفت على معنى كلامك، والمعنى علمته، وإذا كان الكفار لا يعرفون الله في الدنيا وينكرونه، عرفهم الله نفسه ضرورة، فذلك يكون وقوفهم عليه، فإذا عرفوه قال لهم " أليس هذا بالحق " يعني ما وعدهم به، فيقولون " بلى " لأنهم شاهدوا العقاب والثواب ولم يشكوا فيهما.
قوله تعالى:
قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون (31) آية بلا خلاف.
اخبر الله تعالى أنه خسر هؤلاء الكفار " الذين كذبوا بلقاء الله " يعني الذين كذبوا بما وعد الله به من الثواب والعقاب وجعل لقاءهم لذلك لقاء له تعالى مجازا، كما يقول المسلمون لمن مات منهم: قد لقي الله وصار إليه. وإنما يعنون: لقي ما يستحقه من الله وصار إلى الموضع الذي لا يملك الامر فيه سواه، كما قال " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " (1) والموت لا يشاهد، وإنما أراد انكم كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوا أسبابه، فقد رأيتم أسبابه وأنتم تنظرون، فجعل لقاء أسبابه لقاء ه.
وقوله " حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة " كل شئ أتى فجأة، فقد بغت يقال: قد بغته الامر يبغته بغتا وبغتة إذا أتاه فجأة قال الشاعر:

(1) سورة 3 آل عمران آية 143.
(١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»
الفهرست