التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ١١٢
وقوله " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه " معناه إنهم لو ردوا إلى حال التكليف والى مثل ما كانوا عليه في الدنيا من المهلة والتمكين من الايمان والتوبة والقدرة على ذلك، لعادوا لمثل ما كانوا عليه من الكفر الذي نهوا عنه.
وقوله تعالى " وانهم لكاذبون " قد بينا ان المراد به الحكاية عن حالهم في الدنيا وأنهم كانوا فيها كاذبين في كفرهم وتكذيبهم رسول الله والقرآن. وقال البلخي هذا الكذب وقع منهم في الحال وان لم يعلموه كذبا، لأنهم أخبروا عن عزمهم أنهم لو ردوا لكانوا مؤمنين. وقد علم الله أنهم لو عادوا إلى الدنيا لعادوا إلى كفرهم، وكان إخبارهم بذلك كذبا، وان لم يعلموه كذلك، لان مخبره على خلاف ما أخبروه وهذا الذي ذكروه ضعيف، لأنهم إذا أخبروا عن عزمهم على الايمان ان ردوا أو كانوا عازمين عليه لا يكونون كاذبين، لان مخبر خبرهم العزم، وهو على ما أخبروا فكيف يكذبون فيه، والأول أقوى.
فأما الكذب مع العلم بأنه ليس كذلك، فلا خلاف بين أبي علي وأبي القاسم أنه لا يجوز أن يقع منهم في الآخرة، لان أهل الآخرة ملجؤون إلى ترك القبيح، لأنهم لو لم يكونوا ملجئين لوجب أن يكونوا مزجورين من القبيح بالأمر والنهي والثواب والعقاب، وذلك يوجب أن يكون ذاك التكليف، ولا خلاف أنه ليس هناك تكليف. وإن لم يزجروا ولم يلجؤا إلى تركه كانوا مغريين بالقبيح وذلك فاسد. فإذا لا يجوز أن يقع منهم القبيح بحال.
وقال بعض المفسرين سئل النبي صلى الله عليه وآله فقيل له: ما بال أهل النار عملوا في عمر قصير بعمل أهل النار فخلدوا في النار؟ وأهل الجنة عملوا في عمر قصير بعمل أهل الجنة فخلدوا في الجنة؟! فقال: (ان الفريقين كان كل واحد منهما عازما على أنه لو عاش أبدا عمل بذلك).
قوله تعالى:
وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين (29)
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»
الفهرست