التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ١٠٩
ومن نصب " ولا نكذب... ونكون " جعلهما جميعا داخلين في التمني كما أن من رفع وعطفه على التمني كان كذلك. فان قيل: كيف يجوز أن يتمنوا الرد إلى الدنيا وقد علموا عند ذلك انهم لا يردون؟
قيل عن ذلك أجوبة:
أحدها - قال البلخي: إنا لا نعلم أن أهل الآخرة يعرفون جميع أحكام الآخرة، وإنما نقول: انهم يعرفون الله بصفاته معرفة لا يتخالجهم فيها الشك لما يشاهدونه من الآيات والعلامات الملجئة لهم إلى المعارف. وأما التوجع والتأوه التمني للخلاص والدعاء بالفرج يجوز أن يقع منهم وأن تدعوهم أنفسهم إليه. وقال أبو علي الجبائي والزجاج: يجوز أن يقع منهم التمني للرد، ولان يكونوا من المؤمنين، ولا مانع منه. وقال آخرون: التمني قد يجوز لما يعلم أنه لا يكون ألا ترى أن المتمني يتمنى أن لا يكون فعل ما قد فعله ومضى وقته، وهذا لا حيلة فيه، فعلى هذا قوله في الآية الثانية " وانهم لكاذبون " يكون حكاية حال منهم في دار الدنيا، كما قال: " وكلبهم باسط ذراعيه " (1) وكما قال " وان ربك ليحكم بينهم يوم القيامة " (2) وإنما هو حكاية للحالة الآتية.
وقوله " ولو ترى إذ وقفوا على النار " أمال في الموضعين أبو عمرو وغيره وهي حسنة في أمثال ذلك، لان الراء بعده الألف مكسورة وهو حرف كأنه مكرر في اللسان فصارت الكسرة فيه كالكسرتين، فحسن لذلك الإمالة. وقوله " إذ وقفوا " يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها - أن يكون عاينوها ووردوها قبل أن يدخلوها. ويجوز أن يكونوا أقيموا عليها نفسها.
والثاني - أن يكونوا عليها وهي تحتهم.
وثالثها - أن يكون معناه دخلوها فعرفوا مقدار عذابها كما يقول القائل:

(1) سورة 18 الكهف آية 18 (2) سورة 16 النحل آية 124.
(١٠٩)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)، الجواز (3)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»
الفهرست