التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ١٢٠
وقوله " قد نعلم أنه " إنما كسرت الهمزة، لان في خبرها لاما للتأكيد.
لما علم الله تعالى أن النبي (ص) يحزنه تكذيب الكفار له وجحدهم نبوته سلاه عن ذلك بأن قال " فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " ومن قرأ بالتخفيف قال: معناه لا يلفونك كاذبا، كما يقولون: سألته فما أبخلته، وقاتلته فما أجبنته أي ما وجدته بخيلا ولا جبانا. وقال أبو عبد الله (ع) معنى " لا يكذبونك " لا يأتون بحق يبطلون به حقك. وقال الفراء: معنى التخفيف لا يجعلونك كذابا، وإنما يريدون أن ما جئت به باطل، لأنهم لم يفتروا عليك كذبا، فيكذبوا لأنهم لم يعرفوه (ص) وإنما قالوا: ان ما جئت به باطل لا نعرفه من النبوة، فأما التكذيب بأن يقال له كذبت، وقال بعض أهل اللغة : هذا المعنى لا يجوز، لأنه لا يجوز أن يصدقوه ويكذبوا ما جاء به، وهو ان الله أرسلني إليكم وأنزل علي هذا الكتاب وهو كلام ربي. ومن قرأ بالتشديد احتمل وجوها:
أحدها - انهم لا يكذبونك بحجة يأتون بها أو برهان يدل على كذبك، لان النبي صلى الله عليه وآله إذا كان صادقا فمحال أن يقوم على كذبه حجة، ولم يرد أنهم لا يكذبونه سفها وجهلا به.
والثاني - أنه أراد فإنهم لا يكذبونك بل يكذبوني لأنا من كذب النبي صلى الله عليه وآله فقد كذب الله، لان الله هو المصدق له كما يقول القائل لصاحبه:
فلان ليس يكذبك، وإنما يكذبني دونك، يريد ان تكذيبه إياك راجع إلى تكذيبي، لأني أنا المخبر لك وأنت حال عني.
وثالثها - أن يكون أراد انهم لا ينسبونك إلى الكذب لأنك كنت معروفا عندهم بالأمانة والصدق فإنه صلى الله عليه وآله كان يدعى فيهم الأمين قبل الوحي، وكان معروفا بينهم بذلك لكنهم لما أتيتهم بالآيات جحدوها بقصدهم التكذيب بآيات الله وجحدها لا لتكذيبك، قال أبو طالب:
ان ابن آمنة الأمين محمدا
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»
الفهرست