التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ١١٣
ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (30) آيتان بلا خلاف.
اخبر الله تعالى في هذه الآية عن الكفار الذين ذكرهم في الآية الأولى، وبين أنهم قالوا لما دعاهم النبي صلى الله عليه وآله إلى الايمان والاقرار بالبعث والنشور وخوفهم من العقاب في خلافه، وحذرهم عذاب الآخرة والحشر والحساب على سبيل الانكار لقوله والتكذيب له " ما هي الا حياتنا الدنيا " وعنوا أنه لا حياة لنا في الآخرة على ما ذكرت، وإنما هي هذه حياتنا التي حيينا بها في الدنيا وانا لسنا بمبعوثين إلى الآخرة بعد الموت. ثم خاطب نبيه صلى الله عليه وآله فقال " ولو ترى إذ وقفوا على ربهم " يعني على ما وعدهم ربهم من العذاب الذي يفعله بالكفار في الآخرة والثواب الذي يفعله بالمؤمنين، وعرفوا صحة ما كان اخبرهم به من الحشر والحساب. وقال لهم ربهم عند مشاهدتهم ووقوفهم عليه " أليس هذا بالحق؟ قالوا بلى وربنا " مقرين بذلك مذعنين له وان كانوا قبل ذلك في الدنيا ينكرونه، قال حينئذ " فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " بذلك.
ويحتمل أن يكون معنى " إذ وقفوا على ربهم " أنهم حبسوا ينتظر بهم ما يأمر كقول القائل: احبسه على أمره به. وقد ظن قوم من المشبهة أن قوله " إذ وقفوا على ربهم " أنهم يشاهدونه، وهذا فاسد، لان المشاهدة لا تجوز الا على الأجسام أو على ما هو حال في الأجسام، وقد ثبت حدوث ذلك أجمع، فلا يجوز أن يكون تعالى بصفة ما هو محدث. وقد بينا أن المراد بذلك:
وقوفهم على عذاب ربهم وثوابه، وعلمهم بصدق ما أخبرهم به في دار الدنيا دون أن يكون المراد به رؤيته تعالى ومشاهدته، فبطل ما ظنوه، وأيضا فلا خلاف أن الكفار لا يرون الله، والآية مختصة بالكافرين فكيف يجوز أن يكون
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 ... » »»
الفهرست