التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ١٢٨
لهم ان يتعدوا في ظلم شئ منها، فان الله خالقها وهو الناهي عن ظلمها والمنتصف لها.
وفي قوله: " يطير بجناحيه " أقوال: أحدها - ان قوله بجناحيه تأكيد كما يقولون: رأيت بعيني، وسمعت باذني، وربما قالوا: رأت عيني وسمعت اذني، كل ذلك تأكيد. وقال الفراء: معنى ذلك أنه أراد ما يطير بجناحيه دون ما يطير بغير جناحين، لأنهم يقولون قد مر الفرس يطير طيرا وسارت السفينة تطير تطيرا، فلو لم يقل (بجناحيه) لم يعلم أنه قصد إلى جنس ما يطير بجناحيه دون سائر ما يطير بغير جناحين. وقال قوم: إنما قال " بجناحيه " لان السمك عند أهل الطبع طائر في الماء، ولا أجنحة لها، وإنما خرج السمك عن الطائر، لأنه من دواب البحر، وإنما أراد ما في الأرض وما في الجو، ولا حيوان موجود غيرهما. وقال قوم: إنما قال ذلك ليدل على الفرق بين طيران الطيور بأجنحتها وبين الطيران بالاسراع تقول: طرت في جناحين، إذا أسرعت، قال الشاعر:
فلو أنها تجري على الأرض أدركت * ولكنها تهفوا بتمثال طائر وانشد سيبويه:
فطرت بمنصلي في يعملات * دوام الأيد يحبطن السريحا (1) وقال المغربي: أراد ان يفرق بين الطائر الذي هو الفائز الفالج في القسم، وقال مزاحم العقيلي:
وطير بمخراق أشم كأنه * سليل جياد لم تنله الزعانف (2) أي فوزي واغنمي. وقوله: " ما فرطنا في الكتاب من شئ " قيل " ما فرطنا " معناه ما تركنا. وقيل: ما قصرنا. وفي الكتاب قولان:
أحدهما - انه أراد الكتاب المحفوظ عنده من أجال الحيوان وأرزاقه وآثاره ليعلم ابن آدم ان عمله أولى بالاحصاء والاستقصاء، ذكره الحسن.
الثاني - ما فرطنا في القرآن من شئ يحتاج إليه في أمور الدين والدنيا

(1) اللسان (طير).
(2) اللسان (طير).
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»
الفهرست