بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣٠ - الصفحة ٦٧٠
وقال في جامع الأصول (1) في قوله (2): نوليك ما توليت.. أي نكلك إلى ما قلت، ونرد إليك ما وليته نفسك ورضيت لها به.
فإذا وقفت على هذه الأخبار التي لا يتطرق للمخالفين فيها سبيل إلى الانكار فنقول:
لا تخلو الحال من أن يكون عمر حين أمر السائل بترك الصلاة لفقدان الماء وعدم إذعانه لقول عمار، وقوله: أما أنا فلم أكن أصلي حتى أجد الماء.. عالما بشرعية التيمم ووجوب الصلاة على فاقد الماء، متذكرا للآية وأمر النبي صلى الله عليه وآله أو جاهلا بذلك غير متذكر للكتاب والسنة.
فإن كان الأول - كما هو الظاهر - كان إنكاره التيمم ردا صريحا على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وليس تخصيصا أو تقييدا للنص بالاجتهاد، بل رفعا لحكمه رأسا لظن استلزامه الفساد، وهو إسناد للامر بالقبيح إلى الله عز وجل وتجهيل له، تعالى عن ذلك علوا كبيرا، وذلك كفر صريح.
وإن كان الثاني، كان ذلك دليلا واضحا على غاية جهله وعدم صلوحه للإمامة، فإن من لم يعلم - في أزيد من عشرين سنة - مثل هذا الحكم الذي تعم بلواه ولا يخفى على العوام، وكان مصرحا به في موضعين من كتاب الله عز وجل، ولعله لعلمه تعالى بإنكار هذا اللعين كرره في الكتاب المبين وأمر به رسول الله صلى الله عليه وآله في غير موطن، كما يظهر بالرجوع إلى رواياتهم المنقولة في جامع الأصول وسائر كتبهم، واستمر عليه عمل الأمة في تلك المدة مع تكرر وقوعه، كيف يكون أهلا للإمامة صالحا للرئاسة العامة؟! لا سيما وفي القوم صادق مصدق يقول: سلوني قبل أن تفقدوني (3) فلانا بطرق السماء أعلم مني بطرق

(١) جامع الأصول ٧ / ٢٥٩.
(٢) هنا في (س) زيادة كلمة: تعالى، وقد خط عليها في (ك).
(٣) أخرجه إمام الحنابلة احمد، وقال: روى عنه نحو هذا كثير، وجاء في ينابيع المودة: ٢٧٤، وفي فرائد السمطين عن أبي سعيد.
قال سعيد بن المسيب: لم يكن أحد من الصحابة يقول: سلوني.. إلا علي بن أبي طالب.
أخرجه أحمد بن حنبل في المناقب، والبغوي في المعجم، وأبو عمر في العلم ١ / ١١٤، وفي مختصره:
٥٨، والطبري في الرياض ٢ / ١٩٨، وابن حجر في الصواعق: ٧٦، والحافظ العاصمي في زين الفتى شرح سورة هل أتى، والقالي في أماليه، والحصري القيرواني في زهر الأدب ١ / ٣٨، والسيوطي في جمع الجوامع - كما في ترتيبه - ٥ / ٢٤٢، والزبيدي الحنفي في تاج العروس ٥ / ٢٦٨ نقلا عن الأمالي، وغيرهم في غيرها.
وقد ورد بألفاظ مختلفة تؤدي هذا المعنى:
منها: قوله عليه السلام: سلوني قبل أن لا تسألوني ولن تسألوا بعدي مثلي. أخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٤٦٦، وصححه هو والذهبي في تلخيصه.
ومنها: قوله عليه السلام: لا تسألوني عن آية في كتاب الله ولا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنبأتكم بذلك. أخرجه ابن كثير في التفسير ٤ / ٢٣١ من طريقين، وقال: وثبت أيضا من غير وجه.
ومنها: قوله صلوات الله عليه: سلوني والله لا تسألوني عن شئ يكون إلى يوم القيامة إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل. نقله أبو عمر في جامع بيان العلم ١ / ١١٤، والمحب الطبري في الرياض ٢ / ١٩٨، والسيوطي في تاريخ الخلفاء: ١٢٤، والاتقان له ٢ / ٣١٩، وابن حجر في فتح الباري ٨ / ٤٥٢، وتهذيب التهذيب ٧ / ٣٣٨، والعيني في عمدة القاري ٩ / ١٦٧، ومفتاح السعادة ١ / ٤٠٠.
ومنها: قوله سلام الله عليه: ألا رجل يسأل فينتفع وينفع جلسائه. أورده أبو عمر في جامع بيان العلم ١ / ١٤٤، وفي مختصره: ٥٧.
ومنها: قوله عليه السلام: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت، وأين نزلت، إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا سؤولا. جاء في حلية الأولياء ١ / ٦٨، ومفتاح السعادة ١ / ٤٠٠.
ومنها: قوله صلوات الله عليه: سلوني ولا تسألوني عن شئ إلا أنبأتكم به.
أورده البخاري في صحيحه ١ / ٤٦ و ١٠ / ٢٤٠، ٢٤١، واحمد في مسنده ١ / ٢٧٨، وأبو داود في مسنده: ٣٥٦.
قال ابن عباس حبر الأمة: والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر. حكاه في الاستيعاب ٣ / 40، والرياض 2 / 194، ومطالب السؤول:
30.
(٦٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 665 666 667 668 669 670 671 672 673 674 675 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب (16): باب آخر فيما كتب عليه السلام إلى أصحابه في ذلك تصريحا وتلويحا 7
2 باب (17): احتجاج الحسين عليه السلام على عمر وهو على المنبر 47
3 باب (18): في ذكر ما كان من حيرة الناس بعد وفاة رسول الله (ص) وغصب الخلافة وظهور جهل الغاصبين وكفرهم ورجوعهم إلى أمير المؤمنين (ع) 53
4 باب (19): ما أظهر أبو بكر وعمر من الندامة على غصب الخلافة عند الموت 121
5 باب (20) كفر الثلاثة ونفاقهم وفضائح أعمالهم وقبائح آثارهم وفضل التبري منهم ولعنهم 145
6 باب (21): باب آخر، في ذكر أهل التابوت في النار 405
7 باب (22) باب تفصيل مطاعن أبي بكر، والاحتجاج بها على المخالفين بإيراد الاخبار من كتبهم 411
8 الطعن الأول: عدم تولية النبي (ص) لأبي بكر شيئا من الأعمال، وعزله عن تبليغ سورة براءة 411
9 الطعن الثاني: التخلف عن جيش أسامة 427
10 الطعن الثالث: ما جرى في أمر فدك 443
11 الطعن الرابع: كون بيعة أبي بكر فلتة 443
12 الطعن الخامس: ترك الخليفة لإقامة الحد 471
13 الطعن السادس: قوله: أقيلوني، إن لي شيطانا يعتريني 495
14 الطعن السابع: جهل الخليفة بكثير من أحكام الدين 506
15 خاتمة: في ذكر ولادة أبي بكر ووفاته وبعض أحواله 517
16 باب (23): تفصيل مثالب عمر والاحتجاج بها على المخالفين بإيراد الاخبار من صحاحهم، وذكر بعض أحواله وبعض ما حدث في زمانه 529
17 الطعن الأول: قولته: إنه ليهجر 529
18 الطعن الثاني: التخلف عن جيش أسامة 582
19 الطعن الثالث: جهله بوفاة رسول الله (ص) 582
20 الطعن الرابع: تحريمه الخليفة للمتعتين 594
21 الطعن الخامس: تعطيل الحدود الشرعية 639
22 الطعن السادس: منعه للمغالاة في صداق النساء 655
23 الطعن السابع: تجسس الخليفة وتسوره الدار 661
24 الطعن الثامن: تركه الصلاة لفقد الماء 665
25 الطعن التاسع: أمره برجم الحامل 675
26 الطعن العاشر: أمره برجم المجنونة 680
27 الطعن الحادي عشر: جهله بأبسط الأمور 687
28 الطعن الثاني عشر: جهله بحرمة الحجر الأسود 688
29 الطعن الثالث عشر: موارد من جهله وهداية الغير له 691