شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٩
ولما كان سؤال الرجل مشعرا بأنه حمل صفات الخالق على ما هو المعروف في الخلق حتى قال ما قال وأجاب (عليه السلام) وهمه بالجواب المذكور زاده إيضاحا بذكر شيء من صفاته الذاتية والسلبية على وجه لائق به تعالى تقويما وتثبيتا له على منهج الصواب، فقال:
(وكذلك سميناه بصيرا لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون أو شخص أو غير ذلك) من المبصرات بالذات أو بالعرض يعني أن المراد بكونه بصيرا كونه عالما بتمام المبصرات جليها وخفيها حتى أنه لا يخفى عليه أثر الذرة الصماء في الليلة الظلماء على الصخرة السوداء (ولم نصفه ببصر لحظة العين) لتنزهه عن الآلة البصارة التي هي من خواص الحيوان، والإبصار بهذه الآلة هو الذي لا يمكن تحققه بدون وجود المبصرات دون الإبصار بالمعنى المذكور.
وفي كتاب التوحيد للصدوق: «ولم نصفه بنظر لحظ العين».
(وكذلك سميناه لطيفا) قد يراد باللطيف رقيق القوام، وقد يراد به صغير الجسم، وقد يراد به عديم اللون من الأجسام، والله سبحانه منزه عن إطلاق اللطيف عليه بأحد هذه المعاني لاستلزامها الجسمية والإمكان فبقي أن يكون إطلاقه عليه باعتبار آخر وهو علمه بذوات الأشياء الصغيرة الحقيرة وصفاتها وأفعالها وحركاتها كما أشار إليه بقوله (لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة وأخفى من ذلك) (1) مما لا يكاد تستبينه العيون وتدركه الأبصار ويفرق بين الذكر والأنثى وبين الحديث المولود والقديم لكمال صغره (موضع النشء منها والعقل) (2) النشء بفتح النون وسكون الشين المعجمة والهمزة أخيرا بالضمتين وتخفيف الواو قبل الهمزة على وزن فعول وبالضمتين وتشديد الواو مثل النمو على القلب والإدغام مصدر «نشأ الغلام» إذا شب وارتفع من حد الصبا وقرب من الإدراك وقد يسمى به النسل أيضا فيقال هذا نشء سوء، وبكسر النون وسكون الشين والواو أخيرا بمعنى شم الريح جمع نشوة، ويؤيد هذا وقوع نشوة في بعض النسخ والمراد أنه يعلم موضع القريب

1 - قوله: «وأخفى من ذلك، وقد تبين في عصرنا وجود حيوانات صغار جدا لا يدرك بالطرف ولها آلات وجوارح ولكل منها وظائف وقد ذكرها علماء الفن ولا مجال هنا لتفصيلها. (ش) 2 - قوله: «موضع النشء منها» الحيوان من الأجسام النامية وفيه القوة النباتية الشاملة للغاذية والنامية والمولدة ويسميها الأطباء قوى طبيعية. وفيه القوة الحيوانية الشاملة للحس والحركة، وكل حيوان صغير أو كبير له موضع النشء أي آلة مهيئة لتنمية الحيوان بإيراد الغذاء كالكبد وله موضع العقل أي آلة مهيئة لضبط الحركات. وليس العقل هنا واردا على اصطلاح المعقول وهو إدراك الكليات كما قلنا مرارا: إن حمل الأخبار على اصطلاح أرباب الفنون مزلة; لأن عقد الاصطلاح كان مؤخرا عن زمان صدور الأخبار، وبالجملة لكل حيوان آلة للإدراك كالدماغ والعصب، فالبعوضة مثلا لابد أن يكون له جوارح وآلات للتنمية وجوارح وآلات للحس والإدراك، والله يعلم موضع كل واحد لأنه تعالى خلقها على وفق حكمته.
(ش)
(١٩)
مفاتيح البحث: الشيخ الصدوق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»
الفهرست