شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٦٩
باب الحركة والانتقال من مكان إلى مكان ومن وضع إلى وضع.
* الأصل:
1 - محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن عباس الجراذيني، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا، فقال: إن الله لا ينزل ولا يحتاج إلى أن ينزل، إنما منظره في القرب والبعد سواء، لم يبعد منه قريب ولم يقرب منه بعيد ولم يحتج إلى شيء بل يحتاج إليه وهو ذو الطول، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، أما قول الواصفين: إنه ينزل تبارك وتعالى فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به، فمن ظن بالله الظنون هلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد تحدونه بنقص أو زيادة أو تحريك أو تحرك أو زوال أو استنزال أو نهوض أو قعود، فإن الله جل وعز عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين، (وتوكل على العزيز الرحيم * الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين).
* الشرح:
(محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن عباس الجراذيني) بالراء المهملة بعد الجيم المضمومة وبالذال المعجمة بعد الألف قبل الياء المثناة من تحت وبالنون قبل الياء رازي ضعيف رمي بالغلو وغمز عليه (عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا) يعني يزعمون أن له تعالى مكانا أعلى الأمكنة وهو العرش وقد ينزل منه إلى هذه السماء طلبا لقربه من أهل الأرض وندائهم بما أراد.
نقل الآبي في كتاب إكمال الإكمال عن بعض غلاة المجسمة (1) أنه نزل عند الوعظ من أدراج

1 - قوله: «عن بعض غلاة المجسمة» نقل مثل ذلك عن ابن تيمية وكان الآبي أراده، وقد يتكلف المتأخرون في نفي القول بالتجسيم عنه مع تصريحه بالنزول وأنه على المعنى الحقيقي وأن تأويله ضلال وخروج عن طريقة السلف، والحق أن من يثبت اللوازم البينة للجسمية فهو مجسم سواء صرح بالجسم أم لا، وظاهر أن من يعترف بأنه تعالى فوق العرش حقيقة وأنه ينزل إلى السماء الدنيا حقيقة ولكن يحرم استعمال لفظ الجسم لأنه لم يرد في الشرع إطلاق الجسم عليه وأسماء الله توقيفية فهو معتقد بأنه جسم حقيقة وإن لم يجز إطلاق الجسم عليه تعبدا، قال القاسمي في تفسيره المسمى بمحاسن التأويل وهو متعصب لابن تيمية عن الحافظ بن عبد البر: إن حديث «ينزل ربنا كل ليلة إلى آخره» ثابت من جهة النقل صحيح الإسناد لا يختلف أهل الحديث في صحته، وفيه دليل على أن الله في السماء على العرش من فوق سبع سماوات كما قالت الجماعة وهو حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم إن الله في كل مكان وليس على العرش، والدليل في صحة ما قال أهل الحق قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى.). قال ومن الحجة أيضا في أنه عز وجل على العرش فوق السماوات السبع أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو نزل بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء ونصبوا أيديهم رافعين مشيرين بها إلى السماء، وفي التفسير المذكور نقلا عن الشيخ إبراهيم الكوراني هو يعنى ابن تيمية على مذهب السلف قائل بأن الله فوق العرش حقيقة مع نفى اللوازم، انتهى.
وأقول: إثبات الملزوم مع نفي اللازم لا يصدر من العقلاء. وقال نقلا عن الشهاب الآلوسي المفسر: حاشا الله أن يكون - يعنى ابن تيمية - من المجسمة بل هو أبرأ الناس منهم، نعم يقول بالفوقية وذلك مذهب السلف وهو بمعزل عن التجسيم، انتهى.
وأقول: الفوقية الحقيقية هو التجسيم بعينه، سواء أقر به القائل أم لا، وأما الفوقية المجازية أعنى كونه قاهرا على عباده فهو مما يتبرأ منه ابن تيمية واتباعه أشد التبري; وذلك لأن كونه تعالى قاهرا فوق عباده مما اتفق عليه أهل الإسلام وغيرهم ولا معنى لمخالفة ابن تيمية معهم إلا في المعنى الحقيقي. وقال نقلا عن عبد القادر الجيلاني في معنى الاستواء على العرش أنه استواء الذات على العرش لا على معنى القعود والمماسة كما قالت المجسمة والكرامية، ولا على معنى العلو والرفعة كما قالت الأشعرية،، ولا على الاستيلاء والغلبة كما قالت المعتزلة; لأن الشرع لم يرد بذلك ولا نقل عن أحد من الصحابة والتابعين من السلف الصالح من أصحاب الحديث ذلك بل المنقول عنهم حمله على الإطلاق.
أقول: وهذا غير معقول لأن الفوقية إما حقيقي وإما مجازي وقد نفي كليهما إلا أن يريد وجوب السكوت، وقد جاء في الدين أمور يجب السكوت عنه وإيكال الأمر إلى أهله لكن لا يمكن الحكم بنفي النقيضين; لأن الحكم بنفي النقيضين ليس سكوتا بل تكلم بما فيه حماقة. (ش)
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»
الفهرست