شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٧٣
قد ثبت بالعقل والنقل عندنا وعند أكثر العامة استحالة الجسمية والحركة والانتقال عنه تعالى وجب التأويل في هذه الأخبار (1) على تقدير صحتها وعدم تحريفها، وقد اختلف فيه، فقيل:
المضاف محذوف أي: فإن ملك ربك ينزل، وقيل: المفعول محذوف والتقدير: فإن ربك ينزل ملكا من الإنزال، وقيل: هو استعارة وتمثيل لتقريبه للداعين وإجابته دعاءهم وعبر بذلك لقصد إفهامهم القرب، وقيل: النزول بمعنى الإقبال على الشيء، فهو كناية عن إقباله تعالى على المؤمنين وفعله فعلا يظهر به لطفه بهم، والأخير مما ذهب إليه بعض العامة. وتجيء لهذا زيادة تحقيق إن شاء الله تعالى. ولما أشار إلى أنه تعالى لا يحتاج إلى ما توهموه من النزول أشار إلى ما يرد عليهم من المفاسد بقوله:
(أما قول الواصفين) له بصفات خلقه (إنه ينزل تبارك وتعالى فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة) لأن تلك الحركة إن كانت من صفات كماله ولم تكن له قبل وكانت بالقوة (2) لزم القول

١ - قوله: «وجب التأويل في هذه الأخبار» ومن شبه المجسمة في إنكار التأويل أن ظاهر الكلام حجة وأن الشارع إن أراد من الكلام خلاف ظاهره لا يجوز أن يحيلهم على دليل خفى لا يستنبطه إلا أفراد الناس سواء كان سمعيا أو عقليا لأنه إذا تكلم بالكلام الذي يفهم منه معنى وأعاده مرات كثيرة وخاطب به الخلق كلهم وفيهم الذكي والبليد والفقيه وغير الفقيه وقد أوجب عليهم أن يتدبروا ذلك الخطاب ويعقلوه ويتفكروا فيه ويعتقدوا موجبه ثم أوجب أن لا يقصدوا بهذا الخطاب شيئا من ظاهره لأن هناك دليلا خفيا يستنبطه أفراد الناس يدل على أنه لم يرد ظاهره، كان تدليسا أو تلبيسا وكان نقيض البيان وضد الهدى وهو بالألغاز والأحاجي أشبه منه بالهدى والبيان اه. وهذا كلام ابن تيمية على ما نقل عنه القاسمي وبذلك أنكر تأويل آيات من القرآن أيضا مثل قوله تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب) يقوله: (إني متوفيك ورافعك إلي) و (بل رفعه الله اليه) و (يخافون ربهم من فوقهم) و (تعرج الملائكة والروح إليه) (وهو القاهر فوق عباده).
وعن ابن عبد البر من حق الكلام أن يحمل على حقيقته، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شئ من العبادات، وجل الله أن يخاطب إلا بما يفهمه العرب من معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين. وربما ينقل عن بعضهم أن تأويل ما تزعمون دلالته على التجسيم في الواجب تعالى يستلزم تجويز تأويل ما ورد في المعاد من المطاعم والمشارب والجنة والنار; إذ لا فرق بينهما في الخروج من الظاهر. أقول: فرق بين المبدأ والمعاد، إذ الأدلة العقلية والنقلية قامت في التوحيد على عدم كونه تعالى جسما فوجب تأويل اليد والعين والجنب والوجه والاستواء على العرش وغيرها، وأما المعاد فلم يقم دليل عقلي أو نقلي على استحالة التجسيم حتى يصير قرينة على تأويل ظاهرها، نعم إذا قامت أولوا ما يتعلق بالمعاد أيضا كالوزن وميزان العمل في الآخرة أوله كثير; إذ لم يتبين لهم تجسم الأعمال، وأما العبادات فالظاهر فيها حجة، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وإن جاز عن وقت الخطاب، وأوامر العبادات وردت للعمل، والناس محتاجون إلى معرفة مراد الشارع عند العمل. (ش) 2 - قوله: «وكانت بالقوة» اقتباس من تعريف أرسطوطاليس للحركة وهو أنها كمال ما بالقوة من حيث هو بالقوة وظاهر أن كل ما يتحرك فإنما يطلب شيئا غير حاصل له مع كونه أولى به فإذا نزل الله تعالى - نعوذ بالله - طلب مكانا قريبا من مخلوقاته لم يكن هذا القرب حاصلا له وكان أولى به أن يكون قريبا، فالحركة تدل على الزيادة والنقصان سواء كانت أينية أو غيرها. (ش)
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»
الفهرست