ولاشكل ولامثل ولاند، وأوله ابن الحنفية بأنه القائم بنفسه، الغني عن غيره، وأوله غيره بأنه المتعالي عن الكون والفساد، وبأنه الذي لا يوصف بالتغاير، يظهر كل ذلك لمن نظر في كتاب التوحيد، ولم يقل أحد: هذه التأويلات ليست بصحيحة لأنها لا توافق اللغة (1)، وان أراد الثالث فأقول هذا التأويل له معنى صحيح ووجه ظاهر; إذ الجوف كما يطلق على فرجة في الباطن كذلك يطلق على الباطن وإن لم لكن له فرجة كما إذا قيل: هذا في جوف ذاك أي في تحته. فالجوف من الصفات اللازمة للجسم، فنفيه كناية عن نفي الجسمية عنه تعالى، بل لا يبعد أن يكون هذا التأويل تنزيها له تعالى عن التشبيه على الإطلاق وعن أن يكون له جزء ووجود وصفات زائدة وكمال بالقوة إذ كل ما كان له أحد هذه الأمور كان له فرجة عقلية وجوف معنوي يستقر فيه وجه التشبيه والأجزاء والوجود والصفات واستعداد الكمال، وبالجملة فيه إشارة إلى التوحيد المطلق ووجه نفي التشبيه بشيء من مخلوقاته أن كل مخلوق فهو ذو جوف وفرجة بماله من المهية والأجزاء (2) والوجود والاستعداد.
(وهذا الذي... قال (عليه السلام): «إن الصمد هو السيد المصمود إليه، هو معنى صحيح موافق لقول الله تعالى: ليس كمثله شيء) لأن تفسير الصمد بهذا المعنى لا يوجب تشبيهه بخلقه بخلاف تفسيره المصمت الذي لا جوف له، أو بالشيء الذي لا جوف له; فإنه يوجب تشبيهه بالأجسام المصمتة، وهو مخالف لما نطقت به الآية الكريمة، وأنت تعلم أن تفسيره بالمصمت يوجب ذلك دون تفسيره بالشيء الذي لا جوف له فإنه يوجب التوحيد المطلق والتنزيه التام.
(والمصمود إليه المقصود في اللغة) لا المصمت الذي لا جوف له. وفيه رفع لتوهم حمل المصمود إليه على المصمت. ثم استشهد لهذا بكلام البلغاء فقال:
قال أبو طالب في بعض ما كان يمدح به النبي (صلى الله عليه وآله) (3) من شعره:
وبالجمرة القصوى إذا صمدوا لها * يؤمون قذفا رأسها بالجنادل