بدائع الصنائع - أبو بكر الكاشاني - ج ٦ - الصفحة ٢١٣
أبى يوسف ان الجحود سبب للضمان من حيث إنه يرفع العقد بالعزل على ما بينا ولا يصح العزل حالة الغيبة فلا يرتفع العقد ولان الجحود عند غير المالك حال غيبته معدود من باب الحفظ والصيانة عرفا وعادة لان مبنى الايداع على الستر والاخفاء فكان الجحود عند غير المالك حال غيبته حفظا معنى فكيف يكون سببا لوجوب الضمان ومنها الاتلاف حقيقة أو معنى وهو اعجاز المالك عن الانتفاع بالوديعة لان اتلاف مال الغير بغير اذنه سبب لوجوب الضمان حتى لو طلب الوديعة فمنعها المودع مع القدرة على الدفع والتسليم إليه حتى هلكت يضمن لأنه لما حبسها عنه عجز عن الانتفاع بها للحال فد خلت في ضمانه فإذا هلكت تقرر العجز فيجب الضمان ولو أمر غيره بالاتلاف وادعى انه كان بادن المالك لا يصدق الا ببينة لان الاتلاف سبب لوجوب الضمان في الأصل قوله كان بإذن المالك دعوى أمر عارض فلا تقبل الا بحجة وكذلك المودع إذا خلط الوديعة بماله خلطا لا يتميز يضمن لأنه إذا كان لا يتميز فقد عجز المالك من الانتقاع بالوديعة فكان الخلط منه اتلافا فيضمن ويصير ملكا بالضمان وان مات كان ذلك لجميع الغرماء والمودع أسوة الغرماء فيه ولو اختلطت بماله بنفسها من غير صنعه لا يضمن وهو شريك لصاحبها أما عدم وجوب الضمان فلانعدام الاتلاف منه بل تلفت بنفسها لانعدام الفعل من جهته وأما كونه شريكا لصاحبها فلوجود معنى الشركة وهو اختلاط الملكين ولو أودعه رجلان كل واحد منهما ألف درهم فخلط المودع المالين خلطا لا يتميز فلا سبيل لهما على أخذ الدراهم ويضمن المودع لكل واحد منهما ألفا ويكون المخلوط له وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد هما بالخياران شاءا اقتسما المخلوط نصفين وان شاءا ضمنا المودع الفين وعلى هذا الخلاف سائر المكيلات والموزونات إذا خلطا الجنس بالجنس خلطا لا يتميز كالحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والدهن بالدهن وجه قولهما ان الوديعة قائمة بعينها لكن عجز المالك عن الوصول إليها بعارض الخلط فان شاءا اقتسما لاعتبار جهة القيام وان شاءا ضمنا لاعتبار جهة العجز وجه قول أبي حنيفة رحمه الله انه لما خلطهما خلطا لا يتميز فقد عجز كل واحد منهما عن الانتفاع بالمخلوط فكان الخلط منه اتلاف الوديعة عن كل واحد منهما فيضمن ولهذا يثبت اختيار التضمين عند هما واختيار التضمين لا يثبت الا بوجود الاتلاف دل ان الخلط منه وقع اتلافا ولو أودعه رجل حنطة وأخر شعير فخلطهما فهو ضامن لكل واحد منهما مثل حقه عند أبي حنيفة لان الخلط اتلاف وعندهما لهما ان يأخذ العين ويبيعاها ويقتسما الثمن على قيمة الحنطة مخلوطا بالشعير وعلى قيمة الشعير غير مخلوط بالحنطة لان قيمة الحنطة تنقص بخلط الشعير وهو يستحق الثمن لقيام الحق في العين وهو مستحق العين بخلاف قيمة الشعير لان قيمة الشعير تزداد بالخلط بالحنطة وتلك الزيادة ملك الغير فلا يستحقها صاحب الشعير ولو أنفق المودع بعض الوديعة ضمن قدر ما انفق ولا يضمن الباقي لأنه لم يوجد منه الاتلاف قدر ما أنفق ولو رد مثله فخلطه بالباقي يضمن الكل لوجود اتلاف الكل منه النصف بالاتلاف والنصف الباقي بالخلط لكون الخلط اتلافا على ما بينا ولو أخذ بعض دراهم الوديعة لينفقها فلم ينفقها ثم ردها إلى موضعها بعد أيام فضاعت لا ضمان عليه عندنا وعند الشافعي رحمه الله يضمن وجه قوله إنه أخذها على وجه التعدي فيضمن كما لو انتفع بها (ولنا) ان نفس الاخذ ليس باتلاف ونية الاتلاف ليس باتلاف فلا توجب الضمان والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله تبارك وتعالى عز شأنه عفا عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يفعلوا ظاهر الحديث يقتضى أن يكون ما حدثت به النفس عفوا على العموم الا ما خص بدليل وعلى هذا الخلاف إذا أودعه كيسا مسدودا فحله المستودع أو صندوقا مقفلا ففتح القفل ولم يأخذ منه شيئا حتى ضاع أو مات المودع فإن كانت الوديعة قائمة بعينها ترد على صاحبها لان هذا عين ماله ومن وجد عين ماله فهو أحق به على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كانت لا تعرف بعينها فهي دين في تركته يحاص الغرماء لأنه لما مات مجهلا للوديعة فقد أتلفها معنى لخروجها من أن تكون منتفعا بها في حق المالك بالتجهيل وهو تفسير الاتلاف ولو قالت الورثة انها هلكت أوردت على المالك لا يصدقون على ذلك لان الموت مجهلا سبب لوجوب الضمان لكونه اتلافا فكان
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الكفالة 2
2 فصل وأما شرائط الكفالة 5
3 فصل وأما بيان حكم الكفالة 10
4 فصل وأما بيان ما يخرج به الكفيل عن الكفالة 11
5 فصل وأما رجوع الكفيل 13
6 فصل وأما ما يرجع به الكفيل 15
7 كتاب الحوالة 15
8 فصل وأما بيان حكم الحوالة 17
9 فصل وأما بيان ما يخرج به المحال عليه من الحوالة 18
10 فصل وأما بيان الرجوع 19
11 كتاب الوكالة 19
12 فصل وأما بيان ركن التوكيل 20
13 فصل وأما الشرائط فأنواع 20
14 فصل وأما بيان حكم التوكيل 24
15 فصل الوكيلان هل ينفرد أحدهما بالتصرف فيما وكلابه 36
16 فصل وأما بيان ما يخرج به الوكيل عن الوكالة 37
17 كتاب الصلح 39
18 فصل وأما شرائط الركن فأنواع 40
19 فصل وأما الشرائط التي ترجع إلى المصالح عليه فأنواع 42
20 فصل وأما الذي يرجع إلى المصالح عنه فأنواع 48
21 فصل وأما بيان حكم الصلح الخ 53
22 فصل وأما بيان ما يبطل به الصلح 54
23 فصل وأما بيان حكم الصلح 55
24 كتاب الشركة 56
25 فصل وأما بيان جواز هذه الأنواع الثلاثة 57
26 فصل وأما بيان شرائط جواز هذه الأنواع 58
27 فصل وأما حكم الشركة 65
28 فصل وأما صفة عقد الشركة 77
29 فصل وأما بيان ما يبطل به عقد الشركة 78
30 كتاب المضاربة فصل وأما ركن العقد الخ 79
31 فصل وأما شرائط الركن الخ 81
32 فصل وأما بيان حكم المضاربة 86
33 فصل وأما صفة هذا العقد 101
34 فصل وأما حكم اختلاف المضارب ورب المال 101
35 فصل وأما بيان ما يبطل به عقد المضاربة 112
36 كتاب الهبة 115
37 فصل وأما الشرائط 118
38 فصل وأما حكم الهبة 127
39 كتاب الرهن فصل وأما الشرائط 135
40 فصل وأما حكم الرهن 145
41 فصل وأما الذي يتعلق بحال هلاك المرهون 154
42 فصل وأما شرائط كونه مضمونا عند الهلاك 155
43 فصل وأما حكم اختلاف الراهن والمرتهن 174
44 كتاب المزارعة 175
45 فصل وأما ركن المزارعة 176
46 فصل وأما الشرائط الخ 176
47 فصل وأما الذي يرجع إلى الزرع 177
48 فصل وأما الذي يرجع إلى المزروع 177
49 فصل وأما الذي يرجع إلى الخارج 177
50 فصل وأما الذي يرجع إلى المزروع فيه 178
51 فصل وأما الذي يرجع إلى ما عقد عليه 179
52 فصل وبيان هذه الجملة الخ 179
53 فصل وأما الذي يرجع إلى آلة المزارعة الخ 180
54 فصل وأما الذي يرجع إلى مدة المزارعة الخ 180
55 فصل وأما الشرائط المفسدة للمزارعة الخ 180
56 فصل وأما بيان حكم المزارعة الصحيحة 181
57 فصل وأما حكم المزارعة الفاسدة 182
58 فصل وأما المعاني التي هي عذر في فسخ المزارعة الخ 183
59 فصل وأما الذي ينفسخ به عقد المزارعة 184
60 فصل وأما بيان حكم المزارعة المنفسخة الخ 184
61 كتاب المعاملة 185
62 فصل وأما الشرائط المفسدة للمعاملة 186
63 فصل وأما حكم المعاملة الصحيحة الخ 187
64 فصل وأما حكم المعاملة الفاسدة الخ 188
65 فصل وأما المعاني التي هي عذر في فسخها 188
66 فصل وأما الذي ينفسح به عقد المعاملة 188
67 فصل وأما حكم المعاملة المنفسخة الخ 188
68 كتاب الشرب 188
69 كتاب الأراضي 192
70 كتاب المفقود 196
71 فصل وأما بيان ما يصنع بماله 196
72 فصل وأما حكم ماله الخ 197
73 كتاب اللقط فصل وأما بيان حاله 197
74 كتاب اللقطة فصل وأما بيان أحوالها الخ 200
75 فصل وأما بيان ما يصنع بها 200
76 كتاب الإباق فصل وأما بيان ما يصنع به 203
77 فصل وأما بيان حكم ماله 203
78 فصل وأما شرائط الاستحقاق الخ 204
79 فصل وأما بيان من يستحق عليه الخ 205
80 فصل وأما بيان قدر المستحق الخ 205
81 كتاب السباق فصل وأما شرائط جوازه الخ 206
82 كتاب الوديعة فصل وأما شرائط الركن الخ 207
83 فصل وأما بيان حكم العقد 207
84 فصل وأما بيان ما يغير حال المعقود عليه 211
85 كتاب العارية فصل وأما الشرائط التي يصير الركن بها إعارة الخ 214
86 فصل وأما بيان حكم العقد الخ 214
87 فصل وأما صفة الحكم الخ 216
88 فصل وأما بيان حال المستعار 217
89 فصل وأما بيان ما يوجب تغير حالها 218
90 كتاب الوقف والصدقة 218
91 فصل وأما شرائط الجواز 219
92 فصل وأما الذي يرجع إلى الموقوف الخ 220
93 فصل وأما حكم الوقف الجائز 220
94 وأما الصدقة الخ 221
95 كتاب الدعوى 221
96 فصل وأما الشرائط المصححة للدعوى 222
97 فصل وأما بيان حد المدعي والمدعى عليه 224
98 فصل وأما بيان حكم الدعوى وما يتصل بها 224
99 فصل وأما حجة المدعي والمدعى عليه 225
100 فصل وأما بيان كيفية اليمين 227
101 فصل وأما حكم أدائه 229
102 فصل وأما حكم الامتناع 230
103 فصل وأما بيان ما تندفع به الخصومة عن المدعى عليه 231
104 فصل وأما حكم تعارض الدعوتين 232
105 فصل واما بيان ما يظهر به النسب 252
106 فصل وأما صفة النسب الثابت 255
107 فصل وأما حكم تعارض الدعوتين الخ 255
108 فصل وأما حكم تعارض الدعوتين في قدر الملك 259
109 فصل وأما بيان حكم الملك والحق ثابت الخ 263
110 كتاب الشهادة فصل وأما الشرائط الخ 266
111 فصل وأما بيان ما يلزم الشاهد الخ 282
112 فصل وأما بيان حكم الشهادة 282
113 كتاب الرجوع عن الشهادة 283