المبسوط - السرخسي - ج ١٢ - الصفحة ٥٨
لان الراجع يعيد إلى نفسه ملكا هو لغيره فلا ينفرد به من غير قضاء ولا رضا لأنه إن كان هو يطلب لحقه فالموهوب له يمنع تملك فكان الفصل بينهما إلى القاضي كما في الاخذ بالشفعة والفرقة بين العنين وامرأته. قال (وإذا أودع الرجل الرجل شيئا ثم لقيه فوهبه له وليس الشئ بحضرتهما فالهبة جائزة إذا قال الموهوب له قبلت ولا يحتاج فيه إلى قبض جديد) لان الشئ في يد الموهوب له واليد مستدامة فاستدامتها كانشائها بعد قبول الهبة وهذا لان القبض يحكم الهبة ليس بموجب للضمان فيد الأمانة تنوب عنه بخلاف الشراء فان المودع إذا اشترى الوديعة من المودع وهي ليست بحاضرة لا يصير قابضا بنفس الشراء فان القبض بحكم الشراء قبض ضمان وقبض الأمانة دون قبض الضمان والضعيف لا ينوب عن القوى. وكذلك هذا في العارية والإجارة لان قبض المستعير والمستأجر قبض أمانة كقبض المودع أو أقوى منه. قال (والنحلى والعمرى والعطية بمنزلة الهبة فيما ذكرنا) لأن هذه عبارات عن شئ واحد وهو التمليك بطريق الهبة وإنما يعتبر المقصود لا العبارة عنه ألا ترى أن لفظ الفارسية والعربية فيه سواء والأصل فيه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز العمرى وأبطل الشرط يعنى شرط العود إليه بعد موت الموهوب له أما الصدقة إذا تمت بالقبض فليس له أن يرجع فيها سواء كانت لقرابته أو لأجنبي لان المطلوب بالصدقة نيل الثواب وقد حصل ذلك ولا رجوع بعد حصول المقصود بتمامه ولان المتصدق يجعل ذلك المال لله تعالى ثم يصرفه إلى الفقير فيكون كفاية له من الله تعالى ولهذا لم يكن للمعطى فيه منة على القابض وإنما له حق الرجوع في ملك ذلك المال المتملك من جهته وقد انعدم ذلك في الصدقة فلهذا لا يرجع فيها ويستوى في الهبة حكم الرجوع إن كان الموهوب له مسلما أو كافر لان المقصود لا يختلف بذلك فإنه إن كان أجنبيا فالمقصود العوض وإن كان قريبا له فالمقصود صلة الرحم وفى هذا المسلم والكفار سواء. قال (وإذا وهب عبدا لأخيه ولا جنبي وقبضاه فله أن يرجع في نصيب الأجنبي اعتبارا للبعض بالكل) وهذا لان في نصيب الأجنبي مقصوده العوض ولم ينل ذلك. قال (وان وهب لأخيه هبة وهو عبد فقبضها فله أن يرجع فيها) لان الملك بالهبة وقع للمولي والعبد ليس من أهل الملك والمولى أجنبي فعرفنا ان مقصوده العوض والمكافأة ولم ينل ذلك ولأنه إنما يخاصم في الرجوع المولى باعتبار أن الملك واليد له فلا يتمكن بينهما قطعية رحمه إذا كان المولى أجنبيا. قال (وان وهب لعبد أخيه
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»
الفهرست