المبسوط - السرخسي - ج ١٢ - الصفحة ٩٤
كالبيع وغيره. ووجه الاستحسان أن قصده بالهبة من الفقير الثواب دون العوض إذ لو كان قصده العوض لاختار للهبة من يكون أقدر على أداء العوض ولما اختار الفقير مع عجزه عن أداء العوض عرفنا ان مقصوده الثواب وقد نال ذلك. قال (وكذلك أن أعطى سائلا أو محتاجا علي وجه الحاجة) فان العطية بمنزلة الهبة وإنما قصده بفعله سد خلة المحتاج وذلك يفعل لابتغاء مرضاة الله تعالى ونبل ثوابه وهو معنى ما روي عن عمر رضي الله عنه من وهب هبة لصلة رحم أو علي وجه الصدقة لم يكن له أن يرجع فيها. قال (رجل جعل في داره مسجدا يصلى فيه الناس ثم مات قال هو ميراث لورثته) لأنه لم يميزه عن ملكه فيكون هذه بمعنى صدقة المشاع. ثم الأصل في المساجد المسجد الحرام وهذا ليس في معنى ذلك لان ذلك يدخله من شاء من كل جانب وهذا ملكه محيط بكل جانب منه فلا يتمكن أحد من الدخول فيه بغير إذنه. فإن كان أخرجه من داره وعزله وجعله مسجدا وأظهره للناس ثم مات فهو مسجد لا يورث وقد بينا تمام هذا الفصل في كتاب الوقف. قال (وان بنى على منزله مسجدا وسكن أسفله أو جعله سردابا ثم مات فهو ميراث) وكذلك أن جعل أسفله مسجدا وفوقه مسكنا لان المسجد ما يحرز أصله عن ملك العباد وانتفاعهم به على قياس المسجد الحرام وذلك غير موجود فيما اتخذه حين استثنى العلو أو السفل لمنفعة نفسه * وعن محمد قال إن جعل السفل مسجدا جاز وان جعل العلو مسجدا دون الفسل لا يجوز لان المسجد ماله قرار وتأبيد وذلك في السفل دون العلو وعن الحسن بن زياد رحمه الله أنه إذا دخل العلو مسجدا والسفل مستغلا للمسجد فهذا يجوز استحسانا وعن أبي يوسف أن ذلك كله جائز رجع إليه حين قدم بغداد ورأي ضيق المنازل بأهلها فجوز أن يجعل العلو مسجدا دون السفل والسفل دون العلو وهو مستقيم على أصله وقد بينا أنه يوسع في الوقف فكذلك في المسجد. قال (رجل وهب لمسكين درهما وسماه هبة ونواه من زكاته أجزأه) لما بينا ان في حق المسكين لفظة الهبة كلفظة الصدقة ولأنه لا معتبر باللفظ في أداء الزكاة إنما المعتبر الاعطاء بنية الزكاة ألا ترى أنه لو أعطاه ولم يتكلم بشئ كان ذلك زكاة له فلا يتغير ذلك الحكم بذكر الهبة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب باب العطية (وإذا قال الرجل لغيره قد أعمرتك هذه الدار وسلمها إليه فهي هبة صحيحه) لحديث ابن
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»
الفهرست