المبسوط - السرخسي - ج ١٢ - الصفحة ٣٥
(وروى) عن معاذ بن جبل وابن عباس وشريح والحسن والشعبي رضي الله عنهم قالوا لا تجوز الصدقة حتى يقبض وبه نأخذ فنقول ان الصدقة لا تتم الا بالقبض بخلاف ما يقوله مالك رحمه الله تعالى وهذا لان المتصدق يجعل ما يتصدق به خالصا لله تعالى باخراجه عن ملكه وحقه ولا يتم ذلك الا بالاخراج من يده ولا خلاف فيه بين العلماء رحمهم الله تعالى في الصدقة المنفذة وقال أهل المدينة رحمهم الله مجرد الاعلام يكفي لذلك لما جاء في الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه وغيره إذا أعلمت الصدقة جازت وجعلوا ذلك قياس العتق فان العتق يزيل المعتق عن ملكه ويجعله لله تعالى ثم يتم ذلك بنفسه فكذلك الصدقة ولان الآخذ للصدقة هو الله تعالى قال الله تعالى ويأخذ الصدقات وقال عليه الصلاة والسلام ان الصدقة ان الصدقة تقع في كف الرحمن فيربيها كما يربى أحدكم فلوه حتى تصير مثل أحد. ولكنا نقول هذا في ضمن الاتصال إلى الفقير ليكون الفقير آخذا كفايته من الله تعالى فإنه عبد الله وكفاية العبد على مولاه وقد وعدله ذلك بقوله تعالى وما من دابة في الأرض الأعلى الله رزقها ولهذا لم يكن للمعطى منة على القابض وهذا المقصود لا يحصل قبل التسليم إلى الفقير فلا تتم الصدقة بخلاف العتق فالعبد في يد نفسه فيصير قابضا نفسه مع أن المعتق متلف للملك والرق فيه والاتلاف يتم بالتلف والمتصدق غير متلف للملك بل جاعل الملك لله تعالى خالصا وذلك في ضمن التمليك من الفقير فكما أن التمليك من الفقير لا يتم إلا بالتسليم إليه فكذلك جعله الله تعالى. فأما الصدقة الموقوفة على قول أبى يوسف رحمه الله تلزم بالاعلام وإن لم يخرجها من يده إلى يد المتولي وعلي قول محمد رحمه الله لا يتم الا بالاخراج من يده والتسليم إلى المتولي وهو قول ابن أبي ليلى. وحجته في ذلك أن إزالة الملك بطريق التبرع فتمامه بالتسليم كما في الصدقة المنفذة وهذا لأنه لو لزمه قبل التسليم لصارت يده مستحقة عليه والتبرع لا يصلح سببا للاستحقاق على المتبرع في غير ما تبرع به فينبغي أن يكون متبرعا في إزالة بده كما في إزالة ملكه وذلك بأن لم تتم الصدقة قبل التسليم بل هذا أولى من الصدقة المنفذة فان جواز ذلك متفق عليه بين العلماء رحمهم الله وفى جواز الصدقة الموقوفة ولزومها خلاف ظاهر ثم تلك الصدقة مع قوتها لا تتم الا بالتسليم فهذا أولى * وقال في الكتاب من جوز الصدقة غير مقبوضة لم يفصل بين الصدقة الموقوفة والمنفذة وهو قول أهل المدينة رحمهم الله وكذلك من لم يجوزها الا مقبوضة والفرق بينهما من نوع التحكم وقد بينا أن ذلك لا يجوز وأبو يوسف رحمه الله يقول هذه إزالة ملك لا تتضمن التمليك فتتم بدون القبض
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»
الفهرست