المبسوط - السرخسي - ج ١٢ - الصفحة ١٢٦
إلا أن يكون المراد به إذا أسلم مؤجلا ينبغي أن يكون الاجل معلوما وفي قوله صلى الله عليه وسلم رخص في السلم ما يدل علي الاجل أيضا لان الرخصة في الشئ تيسير مع قيام المانع والمانع هو العجز عن التسليم فعرفنا أنه رخص فيه مع قيام العجز عن التسليم بإقامة الاجل مقامه لان به يقدر علي التسليم اما بالتكسب أو بمجئ زمان الحصاد وهو كالرخصة في المسح على الخفين فان إقامة المسح مقام الغسل للتيسير وهو المعنى في قوله في المسألة فانا نقول باع مالا يقدر على تسليمه عند وجوب التسليم فلا يجوز العقد كما لو قيل السلم في المعدوم حالا وبيان ذلك أن عقد السلم من عقود المفاليس فإنه يكون بدون ثمن المثل ولو كان موجودا في ملكه لكان يبيعه بأوفى الأثمان ولا يقبل السلم فيه بدون القيمة ولا يقال إنه إنما يقبل السلم فيه لاسقاط مؤنة الاحضار والإراءة للمشترى فيه لان صاحب الشرع استثنى السلم من بيع ما ليس عند الانسان وبالإجماع المراد بيع ما ليس في ملكه فان ما في ملكه وإن لم يكن حاضرا يجوز بيعه إذا كان المشترى رآه قبل ذلك وما ليس في ملكه وان كن حاضرا لا يجوز بيعه فعرفنا أن المراد قبول السلم فيما لا يقدر على تسليمه وبالعقد لا يصير قادرا علي التسليم لأن العقد سبب للوجوب عليه لا له فلا تثبت به قدرته على التسليم وإنما تكون قدرته بالاكتساب ويحتاج ذلك إلى مدة فإذا كان مؤجلا لا يظهر المانع وهو عجزه عن التسليم وإذا كان حالا يظهر المانع والدليل عليه أن بالاتفاق يحب تسليم رأس المال أولا فلو جاز أن يكون المسلم فيه حالا لم يجب تسليم رأس المال أولا لان قيضة المعاوضة التسوية بين المتعاقدين في التمليك والتسليم ويتضح هذا فيما إذا كان رأس المال عينا فان أول التسلمين في البدل الذي هو دين كالثمن في بيع العين والدليل عليه ان السلم اختص بالدين مع مشاركة العين الدين فيما هو المقصود فما كان ذلك الا لاختصاصه بحكم يختص به الدين وليس ذلك الا الاجل وبه يبطل قولهم ان السلم الحال أبعد عن الغرر من المؤجل لان السلم في العين أبعد عن الغرر من السلم في الدين ومع ذلك اختص السلم بالدين وهذا بخلاف الكتابة عندنا فان البدل في الكتابة معقود به لا معقود عليه والقدرة علي تسليم المعقود به ليس بشرط لجواز العقد كالثمن في المبيع فاما المسلم فيه معقود عليه والقدرة علي تسليم المعقود عليه شرط لجواز العقد كما في بيع العين لان الكتابة عقد ارفاق فالظاهر أن المولى لا يضيق عليه في المطالبة بالبدل وأما السلم عقد تجارة وهو مبنى على الضيق فالظاهر أنه يطالبه بالتسليم عقيب العقد وهو عاجز عن ذلك فلهذا لم يجوزه
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»
الفهرست