مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٤ - الصفحة ٣٥٨
واحترزنا بالأول عما في طبعه تكررت منه لأنه طبعه، واحترز بالثاني مما إذا وقع ذلك منه فلتة فلا يوجب قتله فلا يكون كالميؤس من استصلاحه من الآدميين والبهائم. وعن أبي حنيفة إذا آذت الهرة وقصد قتلها فلا تعذب ولا تخنق بل تذبح بموس حاد لقوله عليه السلام: " إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة " انتهى الحديث. ومن هذا المعنى إذا يئس من حياة ما لا يؤكل فيذبح لإراحته من ألم الوجع والذي رأيت المنع إلا أن يكون من الحيوان الذي يذكى لاخذ جلده، وأجمع العلماء على منع ذلك في حق الآدمي وإن اشتدت آلامهم لشرف الآدمي عن الذبح.
قلت: الذي رأيت في القسم الأول أنها وقعت في بلاد بونة فأفتى فيها بالاجهاز عليها لاراحتها ونقلها في العتبية. ومن هذا إذا رميت السفينة بالنار ففي المدونة: لا بأس أن يطرحوا أنفسهم في البحر لأنهم فروا من موت إلى موت. ولم يره ربيعة إلا لمن طمع بنجاة أو أمن فلا بأس وإن هلك فيه. وعن ربيعة: إن صبر فهو أكرم وإن اقتحموا فقد غرقوا ولا بأس به.
قلت: فظاهر هذا الجواز لاستعجاله الموت للاراحة وإذا كان هذا الآدمي فأحرى في الحيوان الذي لا يؤكل إذا كان لاراحته، وسيأتي للمصنف في باب الجهاد أنه يجوز الانتقال من موت لآخر. وأما قتل الكلاب إذا آذت فقال القرطبي في شرح مسلم في كتاب البيوع: قلت: الحاصل من هذه الأحاديث أن قتل الكلاب غير المستثنيات مأمورية إذا أضرت بالمسلمين، فإن كثر ضررها وغلب كان الامر على الوجوب، وإن قل وندر فأي كلب أضر وجب قتله وما عداه جائز قتله لأنه سبع لا منفعة فيه، وأقل درجاته توقع الترويع وأنه ينقص من أجر مقتنيه كل يوم قيراطان. فأما المروع منهن غير المؤذي فقتله مندوب إليه أما الكلب الأسود ذو النقطتين فلا بد من قتله للحديث المتقدم، وقلما ينتفع بمثل تلك الصفة انتهى.
وقال في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان: وسئل مالك عن قتل الكلاب، أترى أن تقتل؟ قال: نعم أرى أن يؤمر بقتل ما يؤذي منها في المواضع التي لا ينبغي أن تكون فيها. قلت: له في مثل قيروان والفسطاط؟ قال: نعم وأما كلاب الماشية فلا أرى ذلك. قال ابن رشد: ذهب مالك رحمة الله في قتل الكلاب إلى ما رواه في موطئه عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب. ومعنى ذلك عنده عند من سواه ممن أخذ بالحديث في الكلاب المنهي عن اتخاذها وقد جاء ذلك مفسرا في الأحاديث فلا اختلاف في أنه لا يجوز قتل كلاب الماشية والصيد والزرع. ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه لا يقتل من الكلاب إلا الكلب الأسود البهيم لما روي عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها
(٣٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 ... » »»
الفهرست