مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٣٧٦
لذلك بقوله تعالى: * (لها شرب ولكم شرب يوم معلوم) *، وكسائر الاملاك المشتركة، ولكل منهم الرجوع متى شاء ، فإن رجع وقد أخذ نوبته قبل أن يأخذ الآخر نوبته، فعليه أجرة نوبته من النهر للمدة التي أخذ نوبته فيها. ويمنع أحدهم من توسيع فم النهر ومن تضييقه، ومن تقديم رأس الساقية التي يجري فيها الماء ومن تأخيره، ومن إجراء ما يملكه فيه، ومن بناء قنطرة ورحى عليه، ومن غرس شجرة على حافته إلا برضا الباقين كما في سائر الاملاك المشتركة وعمارته بحسب الملك.
تنبيه: قوله: مهايأة منصوب إما على الحال على المبتدأ أو هو القسمة بناء على صحة الحال منه كما ذهب إليه سيبويه وغيره، أو على أنها مفعول بفعل محذوف بتقدير: ويقسم مهايأة، ويجوز كون القسمة فاعلة بالظرف بناء على قول من جوز عمل الجار بلا اعتماد وهم الكوفيون، وعليه فنصب مهايأة على الحال من الفاعل.
خاتمة: لا يصح بيع ماء البئر والقناة منفردا عنهما، لأنه يزيد شيئا فشيئا ويختلط المبيع بغيره فيتعذر التسليم. فإن باعه بشرط أخذه الآن صح، ولو باع صاعا من ماء راكد صح لعدم زيادته أو من جار فلا لأنه لا يمكن ربط العقد بمقدار مضبوط لعدم وقوفه. ولو باع ماء القناة مع قراره والماء جار لم يصح البيع في الجميع للجهالة، وإن أفهم كلام الروضة البطلان في الماء فقط عملا بتفريق الصفقة. فإن اشترى البئر وماءها الظاهر أو جزأيهما شائعا وقد عرف عمقها فيهما صح وما ينبع في الثانية هو مشترك بينهما كالظاهر، بخلاف ما لو اشتراها أو جزأها الشائع دون الماء أو أطلق لا يصح لئلا يختلط الماءان. ولو سقى زرعه بماء منصوب ضمن الماء ببدله والغلة له لأنه المالك للبذر، فإن غرم البدل وتحلل من صاحب الماء كانت الغلة أطيب له مما لو غرم البدل فقط. ولو أشعل نارا في حط ب مباح لم يمنع أحدا الانتفاع بها ولا الاستصباح منها، فإن كان الحطب له فله المنع من الاخذ منها لا الاصطلاء بها ولا الاستصباح منها.
كتاب الوقف هو والتحبيس والتسبيل بمعنى. وهو لغة: الحبس، يقال: وقفت كذا، أي حبسته، ولا يقال أوقفته إلا في لغة تميمية وهي رديئة وعليها العامة. وهو عكس حبس فإن الفصيح أحبس، وأما حبس فلغة رديئة. وشرعا: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود، ويجمع على وقوف وأوقاف. والأصل فيه قوله تعالى: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) *، فإن أبا طلحة لما سمعها رغب في وقف بيرحاء وهي أحب أمواله.
وقوله تعالى: * (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) *، وخبر مسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له. والولد الصالح هو القائم بحقوق الله تعالى وحقوق العباد، ولعل هذا محمول على كمال القول، وأما أصله فيكفي فيه أن يكون مسلما. والصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف كما قاله الرافعي، فإن غيره من الصدقات ليست جارية، بل يملك المتصدق عليه أعيانها ومنافعها ناجزا. وأما الوصية بالمنافع لو إن شملها الحديث فهي نادرة، فحمل الصدقة في الحديث على الوقف أولى، وفي الصحيحين: أن عمر رضي الله تعالى عنه أصاب أرضا بخيبر، فقال: يا رسول الله ما تأمرني فيها؟ فقال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فتصدق بها عمر على أن لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث. وهو أول وقف في الاسلام على المشهور. وقال جابر رضي الله تعالى عنه: ما بقي أحد من أصحاب رسول الله (ص) له مقدرة إلا وقف وقفا، وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه في القديم: بلغني أن ثمانين صحابيا من الأنصار تصدقوا بصدقات محرمات. والشافعي يسمى الأوقاف الصدقات المحرمات. وأركانه أربعة: واقف وموقوف وموقوف عليه وصيغة. وقد شرع في الركن الأول فقال: (شرط الواقف صحة عبارته) دخل في ذلك الكافر فيصح
(٣٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429