مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٩٣
هنا كذلك؟ أجيب بأن عود النعل إلى المشتري متوقع، ولا سبيل هنا إلى تمييز حق البائع. والثاني: لا يسقط، لما في قبوله من المنة. وكلام المصنف والرافعي تبعا للامام والغزالي يقتضي إثبات الخيار للمشتري أولا حتى يجوز له المبادرة إلى الفسخ، فإن بادر البائع أولا فسامح سقط خياره، وهو كذلك، وإن قال في المطلب إنه مخالف لنص الشافعي والأصحاب فإنهم خيروا البائع أولا، فإن سمح بحقه أقر العقد وإلا فسخ. وقضية كلام الرافعي وتعليله أنه خيار عيب يستقل به المشتري، وهو كذلك، وإن نقل في الكفاية عن الماوردي أن الفاسخ هو الحاكم. وخرج بقبل التخلية التي قدرتها في كلامه ما لو وقع الاختلاط بعدها فلا يخير المشتري، بل إن توافقا على قدر فذاك وإلا صدق صاحب اليد بيمينه في قدر حق الآخر.
وهل اليد بعد التخلية للبائع أو للمشتري أو لهما؟ فيه أوجه، وقضية كلام الرافعي ترجيح الثاني. ولو اشترى شجرة وعليها ثمرة للبائع يغلب تلاحقها لم يصح إلا بشرط قطع البائع ثمرته، فإن شرط فلم يقطع أو كانت مما يندر تلاحقها وجرى الاختلاط كما سبق في ثمار المشتري لم ينفسخ، بل من سمح بحقه لصاحبه أجبر صاحبه على القبول، وإن تشاحا فسخ العقد كما مر. ولو باع جزة من ألقت مثلا بشرط القطع فلم يقطعها حتى طالت وتعذر التمييز جرى القولان، ويجريان أيضا فيما لو باع حنطة فانصب عليها مثلها قبل القبض وكذا في المائعات. ولو اختلط الثوب بأمثاله أو الشاة المبيعة بأمثالها فالصحيح الانفساخ لأن ذلك يورث الاشتباه وهو مانع من صحة العقد لو فرض ابتداء، وفي نحو الحنطة غاية ما يلزم الإشاعة وهي غير مانعة. (ولا يصح بيع الحنطة في سنبلها بصافية) من التبن، (وهو المحاقلة، ولا) بيع (الرطب على النخل بتمر وهو المزابنة) للنهي عنهما في خبر الصحيحين. وفي رواية للشافعي: والمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق من الحنطة، والمزابنة أن يبيع التمر على رؤوس النخل بمائة فرق من التمر. قال الرافعي: إن كان هذا التفسير مرفوعا فذاك وإن كان من الراوي فهو أعرف بتفسير ما رواه. ولعدم العلم بالمماثلة فيهما، ولان المقصود من البيع في المحاقلة مستتر بما ليس من صلاحه، ولأنه حنطة وتبن بحنطة فبطل لقاعدة مد عجوة. فلو باع شعيرا في سنبله بحنطة وتقابضا في المجلس جاز لأن المبيع مرئي والمماثلة ليست بشرط لاختلاف الجنس، أو باع زرعا قبل ظهور الحب بحب جاز لأن الحشيش غير ربوي. ويؤخذ من ذلك أنه إذا كان ربويا اعتيد أكله كالحلبة امتنع بيعه بجنسه، وبه جزم الزركشي. والمحاقلة مأخوذة من الحقل بفتح الحاء وسكون القاف جمع حقلة، وهي الساحة الطيبة التي لا بناء فيها ولا شجر، سميت بذلك لتعلقها بزرع في حقله. والمزابنة مأخوذة من الزبن بفتح الزاي وسكون الباء، وهو الدفع لكثرة الغبن فيها فيريد المغبون دفعه والغابن إمضاءه فيتدافعان.
تنبيه: فائدة ذكر هذين الحكمين تسميتهما بما ذكر وإلا فقد علما مما مر. (ويرخص في) بيع (العرايا) جمع عرية، وهي ما يفردها مالكها للاكل، لأنها عن حكم جميع البستان. (وهو بيع الرطب على النخل) خرصا (بتمر في الأرض) كيلا، (أو العنب في الشجر) خرصا (بزبيب) في الأرض كيلا. هذا مستثنى من بيع المزابنة لما في الصحيحين:
- عن سهل بن أبي حثمة - بالحاء المهملة المثلثة -: أن رسول الله (ص) نهى عن بيع الثمر - بالثاء المثلثة - بالتمر - بالتاء المثناة كما قاله المصنف في شرح مسلم - ورخص في بيع العرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبا. وقيس به العنب بجامع أن كلا منهما زكوي يمكن خرصه ويدخر يابسه. وأفهم كلامه أنهما لو كانا معا على الشجر أو على الأرض أنه لا يصح، وهو كذلك خلافا لبعض المتأخرين لأن الرخصة يقتصر فيها على ما ورد، وأنه لا يصح بيع الرطب بالرطب وهو كذلك كما مر في باب الربا. وكالرطب البسر بعد بدو صلاحه، لأن الحاجة إليه كالحاجة إلى الرطب، ذكره الماوردي والروياني، قيل: ومثله الحصرم. ورد بأن الحصرم لم يبد به صلاح العنب وبأن الخرص لا يدخله لأنه لم يتناه كبره بخلاف البسر فيهما.
تنبيه: محل الجواز في العرايا ما لم يتعلق بالثمر زكاة كأن خرصت عليه وضمن، أو قلنا الخرص تضمين أو لنقصها
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429