مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٤٠٠
قبل اشتداد الحب. ومنها ما لو وهب الأرض مع بذر أو زرع لا يفرد بالعقد، فإن الهبة تصح في الأرض وتفرق الصفقة هنا على الأرجح، والجهالة في البذر لا تضر في الأرض إذ لا ثمن ولا توزيع. ومنها ما لو باع المتحجر ما تحجره لم يصح على الأصح، لأن حق التملك لا يباع وتجوز هبته، قال الدارمي: ولو وهب مرهونا أو كلبا ولو معلما أو خمرا ولو محترمة، أو جلد ميتة قبل الدباغ أو دهنا نجسا لم يصح كالبيع، وما قاله في الروضة في باب الأواني من أن جلد الميتة قبل الدباغ تصح هبته محمول على نقل اليد لا على التمليك كما صرح هنا بأن هبته لا تصح. (وهبة الدين للمدين إبراء) له منه لا يحتاج قبولا نظرا للمعنى.
تنبيه: قضية كلام المصنف أن هبة الدين صريح في الابراء، وهو كذلك وإن قال في الذخائر إنه كناية، وترك الدين للمدين كناية إبراء. (و) هبته (لغيره) وهو من لا دين عليه (باطلة في الأصح) وعبر في الروضة بالمذهب لأنه غير مقدور على تسليمه وإنما يقبض من الديون عين لا دين، والقبض في الهبة إنما يكون فيما ورد العقد عليه. والثاني: صحيحة، ونقل عن نص الام وصححه جمع تبعا للنص كما مر في بيعه على ما صححه في الروضة، قيل: بل أولى. ووجه الأول وهو المعتمد أن هبة ما في الذمة غير صحيح، بخلاف بيع ما في الذمة فإنه يصح، ولهذا لم يختلف ترجيح الشيخين في بطلان هبة الدين لغير من هو عليه، واختلف في ترجيح البيع له، وعلى هذا يستثنى من طرد القاعدة لأنه يجوز بيعه ولا تجوز هبته.
فرع: تمليك المسكين الدين الذي عليه أو على غيره عن الزكاة لا يصح، لأن ذلك فيما عليه إبدال وهو لا يجوز، وفيما على غيره تمليك وهو لا يجوز أيضا. (ولا يملك موهوب) بالهبة الصحيحة غير الضمنية وذات الثواب الشاملة للهدية والصدقة (إلا بقبض) فلا يملك بالعقد لما روى الحاكم في صحيحه: أنه (ص) أهدى إلى النجاشي ثلاثين أوقية مسكا ثم قال لام سلمة: إني لا أرى النجاشي إلا قد مات ولا أرى الهدية التي قد أهديت إليه إلا تسترد فإذا ردت إلي فهي لك فكان كذلك، لأنه عقد إرفاق كالقرض فلا يملك إلا بالقبض. وخرج بالصحيحة الفاسدة فلا تملك بالقبض، والمقبوض بها غير مضمون كالهبة الصحيحة إذ الأصل أن فاسد كل عقد كصحيحه، وبغير الضمنية الضمنية، كما لو قال: أعتق عبدك عني مجانا، فإنه يعتق عنه ويسقط القبض في هذه الصورة كما يسقط القبول إذا كان التماس العتق بعوض كما ذكروه في باب الكفارة، وبغير ذات الثواب ذاته، فإنه إذا سلم الثواب استقل بالقبض لأنها بيع.
تنبيه: شمل كلامه هبة الأب لابنه الصغير أنها لا تملك إلا بالقبض، وهو كذلك كما هو مقتضى كلامه في البيع ونحوه، خلافا لما حكاه ابن عبد البر. ولا بد أن يكون القبض (بإذن الواهب) فيه إن لم يقبضه الواهب سواء أكان في يد المتهب أم لا، فلو قبض بلا إذن ولا إقباض لم يملكه ودخل في ضمانه سواء أقبضه في مجلس العقد أم بعده، ولا بد من إمكان السير إليه إن كان غائبا، وقد سبق بيان القبض في باب البيع قبل قبضه إلا أنه لا يكفي الاتلاف ولا الوضع بين يديه بغير إذنه لأنه غير مستحق القبض، فإن أذن له في الاكل أو العتق عنه فأكله أو أعتقه كان قبضا، بخلاف البيع والزيادة الحادثة من الموهوب قبل قبضه للواهب لبقائه عن ملكه. وقبض المشاع بقبض الجميع منقولا كان أو غيره، فإن كان منقولا ومنع من القبض شريكه ووكيله الموهوب له في قبض نصيبه صح، فإن لم يوكله الموهوب له قبض له الحاكم ويكون في يده لهما، ويصح بيع الواهب للموهوب قبل قبضه وإن ظن لزوم الهبة بالعقد. وليس الاقرار بالهبة ولو مع الملك إقرارا بقبض الموهوب لجواز أن يعتقد لزومها بالعقد، والاقرار يحمل على اليقين إلا إن قال:
وهبته له وخرجت منه إليه وكان في يد المتهب وإلا فلا، وقوله: وهبته وأقبضته له، إقرار بالهبة والقبض. ولو اختلفا في الاذن في القبض صدق الواهب، فإن اتفقا عليه وقال الواهب رجعت قبل أن يقبضه وقال المتهب بل بعده صدق المتهب بيمينه، لأن الأصل عدمه. ولو أقبضه وقال قصدت به الايداع أو العارية وأنكر المتهب صدق الواهب كما في الاستقصاء.
(٤٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 395 396 397 398 399 400 401 402 403 404 405 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429