مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٣٩٨
الكتابة، واختار في المجموع صحتها بالمعاطاة. وقوله لغيره: كسوتك هذا الثوب كناية في الهبة، فإن قال الواهب: لم أردها صدق لأنه يصلح للعارية فلا يكون صريحا في الهبة كالبيع. ولا يصح قبول بعض الموهوب أو قبول أحد شخصين نصف ما وهب لهما وجهان: أوجههما كما قال شيخ تبعا لبعض اليمانيين الصحة، بخلاف البيع فإنه لا يصح لأنه معاوضة بخلاف الهبة فاغتفر فيها ما لم يغتفر فيه، وإن قال بعض المتأخرين: إن هذا الفرق بين بقادح. (ولا يشترطان) أي الايجاب والقبول (في الهدية على الصحيح) ولو في غير المطعوم، (بل يكفي البعث من هذا) أي المهدي، ويكون كالايجاب، (والقبض من ذاك) أي المهدى إليه ويكون كالقبول كما جرى عليه الناس في الاعصار، وقد أهدى الملوك إلى رسول الله (ص) الكسوة والدواب والجواري كما مر. وفي الصحيحين: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة رضي الله تعالى عنها وعن أبويها، ولم ينقل إيجاب ولا قبول. والثاني: يشترطان كالهبة، وحمل ما جرى عليه الناس على الإباحة رد بتصرفهم في المبعوث تصرف الملاك والفروج لا تباح بالإباحة.
تنبيه: سكوت المصنف عن احتياج الصدقة إلى الصيغة يشعر بعدم افتقارها إليها قطعا، وقال الإمام: إنه الظاهر، لكن قال في الروضة وأصلها: إن الصدقة كالهدية بلا فرق. فإن قيل: بل كلامه إنما يشعر باشتراط الايجاب والقبول فيها لأنه اعتبر الايجاب والقبول ولم يستثن إلا الهدية. أجيب بأن المراد الهبة في قوله، وشرط الهبة إيجاب وقبول الهبة الخاصة المقابلة للهدية والصدقة كما مرت الإشارة إليه لا الهبة العامة المرادة أول الباب. وقوله: لفظا تأكيد ونصبه بنزع الخافض الياء. فرع: لو ختن شخص ولده واتخذ دعوة فأهدي إليه ولم يسم أصحاب الهدايا الابن ولا الأب، حكي في المسألة وجهان:
أحدهما أنها للابن، وصححه العبادي وصاحب الكافي وجزم به القاضي حسين. والثاني ويحكى عن الشيخ أبي إسحاق، وقال المصنف إنه أقوى وأصح: أنها للأب. ولو غرس شجرا وقال عند غرسه: غرسته لطفلي لم يملكه، فإن قال: جعلته له صار ملكه أي إذا قبله له مما مر. ولا يصح تعليق الصفة ولا توفيتها إلا ما استثناه بقوله: (ولو قال: أعمرتك هذه الدار) مثلا، أي جعلتها لك عمرك أو حياتك أو ما عشت أو حييت أو نحو ذلك، (فإذا مت) بفتح التاء، (فهي لورثتك) أو لعقبك كما في الروضة، (فهي هبة) حكما، ولكنه طول العبارة فيعتبر الايجاب والقبول وتلزم بالقبض، فإذا مات كانت لورثته فإن لم يكونوا فلبيت المال، ولا تعود للواهب بحال لخبر مسلم: أيما رجل أعمر عمري فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاها. (ولو اقتصر على) قوله (أعمرتك) هذه الدار مثلا ولم يتعرض لما بعد موته، (فكذا) هي هبة (في الجديد) لحديث الصحيحين: العمري ميراث لأهلها وليس في جعلها له مدة حياته ما ينافي انتقالها إلى ورثته، فإن الاملاك كلها مقدرة بحياته. والقديم بطلانه كما لو قال أعمرتك سنة. (و) على الجديد (لو قال) مع قوله أعمرتكها (فإذا مت عادت إلي) أو إلى وارثي، (فكذا) هي هبة وإعمار صحيح (في الأصح) وبه قطع الأكثرون كما في الروضة، ويلغو ذكر الشرط لاطلاق الأحاديث الصحيحة. فإن قيل: هذا شرط فاسد فهلا بطلت العمري كالبيع أجيب بأن شروط البيع تقابل ببعض الثمن، فإذا بطلت يسقط ما يقابلها فيصير الثمن مجهولا فيبطل، والعمري لا ثمن فيها فلذلك صحت، وبأن هذا الشرط يقتضي فسخا منتظرا ولا يضر الهبة بدليل هبة الأب لابنه ويضر البيع. قال السبكي: وقضية الجواب الأول أنه لو قيد الهبة بالشرط المذكور صحت كالعمري، وهو كذلك.
فائدة: قال البلقيني: ليس لنا موضع يصح فيه العقد مع وجود الشرط الفاسد المنافي لمقتضاه إلا هذا. والثاني: يبطل العقد لفساد الشرط، وعلى القديم يبطل من باب أولى كما ذكره في المحرر.
تنبيه: قد يقتضي كلام المصنف أنه لو قال: جعلتها لك عمرى أو عمر زيد فإنه يبطل، وهو الأصح لخروجه عن اللفظ المعتاد لما فيه من تأقيت الملك، فإن الواهب أو زيدا قد يموت أولا بخلاف العكس، فإن الانسان لا يملك إلا مدة حياته
(٣٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429