مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٢٩
وبنقص قيمة المكسرة عن الصحيحة ما لو تساوت قيمتها فلا بطلان. ولو باع دارا وقد ظهر بها معدن ذهب بذهب لم يصح للربا، لأن المعدن مع العلم به مقصود بالمقابلة، فلو ظهر بها المعدن بعد الشراء جاز، لأن المعدن مع الجهل به تابع بالإضافة إلى مقصود الدار والمقابلة بين الذهب والدار خاصة. فإن قيل: لا أثر للجهل بالمفسد في باب الربا. أجيب بأنه لا أثر له في غير التابع. وأما في التابع فقد يتسامح بجهله، والمعدن من توابع الأرض كالحمل يتبع أمه في البيع وغيره. فإن قيل: قد منعوا بيع ذات لبن بذات لبن. أجيب بأن الشرع جعل اللبن في الضرع كهو في الاناء بخلاف المعدن، وبأن ذات اللبن المقصود منها اللبن، والأرض ليس المقصود منها المعدن. وإذا عرفت هذا ففي كلام المصنف أمور ننبه عليها تشحيذا للذهن، أحدها: قوله: وإذا جمعت الصفقة، خرج بها ما إذا تعدد ت، وهو صحيح فيما إذا تعددت بتفصيل الثمن دون ما إذا تعددت بتعدد البائع أو المشتري كما مر. ثانيها: كان ينبغي أن يقول جنسا قبل قوله ربويا كما قدرته في كلامه، لأنه لو باع ذهبا وفضة بحنطة فقط أو بشعير فقط أو بهما، وما أشبه ذلك فإنه يصح مع دخوله في الضابط. ثالثها: قوله: واختلف الجنس منهما ليس المراد الجنس الربوي المعتبر وجوده من الجانبين كما يوهمه كلامه فإن ذلك متحد كما مر، وإنما المراد اختلف جنس المبيع بأن يكون مع الربوي جنس آخر كما يظهر ذلك من مثاله، فلو عبر بقوله واختلف المبيع جنسا لاستقام. رابعها:
كان ينبغي أن يقول أو من أحدهما كما قاله في المحرر، لأنه لو باع مدا ودرهما بمدين لم يختلف الجنس منهما. قال الزركشي:
وهو مراد المصنف بدليل تمثيله بالمد والدرهم في مقابلة المدين، وقد صرح به في النوع ولا فرق، فحذفه من الأول لدلالة الثاني عليه. خامسها: كان ينبغي أن يقول أيضا أن يكون الجنس الآخر مقصودا ليخرج التابع للمقصود كما مر. سادسها:
تمثيله يقتضي التصوير بما إذا كان المضموم إليه ربويا، وليس مرادا بل لا فرق في الجنس المضموم إلى الربوي بين أن يكون ربويا أيضا أم لا كما تقدم. سابعها: تمثيله لاختلاف النوع بالصحاح والمكسر ة فيه تجوز، وإنما هو اختلاف صفة لا اختلاف نوع، فمراده بالنوع ما ليس بجنس ليشمل النوع والصفة كما تقدم حتى يصح المثال. ثامنها: أطلق البطلان في الصحاح والمكسرة، ولا بد أن تنقص قيمة المكسر عن الصحيح كما مر. تاسعها: لا يشترط تمييز أحد النوعين عن الآخر، فلو باع صاعا من ردئ وجيد مختلطين بمثله أو جيد أو ردئ جاز كما مر، ومثله ما لو خلط الصحاح بالمكسرة.
فروع: يجوز بيع الجوز بالجوز واللوز باللوز وزنا وإن اختلف قشرهما، وسيأتي في ذلك خلاف في السلم إن شاء الله تعالى. ويجوز بيع لب الجوز بلب الجوز ولب اللوز بلب اللوز. فإن قيل: قد منعوا بيع منزوع النوى بمثله لبطلان كماله وهو موجود هنا. أجيب بأن منزوع النوى أسرع فسادا من لبهما كما هو معلوم. ويجوز بيع البيض مع قشره بالبيض كذلك وزنا عند اتحاد الجنس، فإن اختلفا جاز جزافا. (ويحرم بيع اللحم) وما في معناه كالشحم والكبد والقلب والكلية والطحال والالية (بالحيوان من جنسه) كبيع لحم ضأن بضأن، (وكذا) يحرم (بغير جنسه من مأكول) كبيع لحم البقر بالضأن ولحم السمك بالشاة ولحم الشاة بالبعير، (وغيره) أي غير مأكول كبيع لحم ضأن بحمار، (في الأظهر) لأنه (ص) : نهى أن تباع الشاة باللحم رواه الحاكم والبيهقي وقال: إسناده صحيح، ونهى عن بيع اللحم بالحيوان رواه أبو داود عن سعيد بن المسيب مرسلا، وأسنده الترمذي عن زيد بن سلمة الساعدي. ومقابل الأظهر الجواز. أما في المأكول وهو مبني على أن اللحوم أجناس، فبالقياس على بيع اللحم باللحم. وأما في غيره فوجه بأن سبب المنع بيع مال الربا بأصله المشتمل عليه ولم يوجد ذلك هنا. أما بيع الجلد بالحيوان فيصح بعد دبغه بخلافه قبله.
خاتمة: يجوز بيع لبن شاة بشاة حلب لبنها، فإن بقي فيها لبن بقصد حلبه لكثرته أو باع ذات لبن مأكولة بذات لبن كذلك من جنسها لم يصح، لأن اللبن في الضرع يأخذ قسطا من الثمن بدليل أنه يجب التمر في مقابلته في المصراة بخلاف الآدميات ذوات اللبن، فقد نقل في البيان عن الشاشي الجواز فيها وفرق بأن لبن الشاة في الضرع له حكم العين، ولهذا لا يجوز عقد الإجارة عليه بخلاف لبن الآدمية فإن له حكم المنفعة، ولهذا يجوز عقد الإجارة عليه. ولو باع لبن بقرة بشاة في ضرعها لبن صح لاختلاف الجنس كما مر. أما بيع ذات لبن بغير ذات لبن فصحيح، وبيع بيض بدجاجة
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429