شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٤
فيلزم تقدم الشئ على نفسه، وأيضا، وجودهما (11) زايد عليهما والوجود لا يمكن ان يكون زائدا على نفسه (12) ولأنه مأخوذ في تعريفهما لكونه أعم منهما، فهو غيرهما (13).
وليس أمرا اعتباريا، كما يقول الظالمون، لتحققه في ذاته مع عدم المعتبرين إياه فضلا عن اعتباراتهم، سواء كانوا عقولا أو غيرها كما قال، عليه السلام:
(كان الله ولم يكن معه شئ). وكون الحقيقة (14) بشرط الشركة (15) أمرا عقليا اعتباريا لا يوجب ان يكون لا بشرط الشئ كذلك. فليس صفة عقلية وجودية (16) كالوجوب والامكان للواجب والممكن. وهو أعم الأشياء باعتبار عمومه و انبساطه (17) على الماهيات حتى يعرض مفهوم العدم المطلق والمضاف في الذهن عند تصورهما، ولذلك يحكم العقل عليهما بالامتياز بينهما وامتناع أحدهما وامكان الآخر (18) إذ كل ما هو ممكن وجوده ممكن عدمه، وغير ذلك من الاحكام (19).
وهو أظهر (20) من كل شئ تحققا وإنية حتى قيل فيه: انه بديهي (21)، وأخفى من جميع الأشياء ماهية (22) وحقيقة، فصدق فيه ما قال اعلم الخلق به في دعائه: ( ما عرفناك حق معرفتك). ولا يتحقق شئ في العقل ولا في الخارج الا به، فهو المحيط بجميعها بذاته وقوام الأشياء به، لان الوجود لو لم يكن لم يكن شئ لا في الخارج و لا في العقل فهو مقومها بل هو عينها (23) إذ هو الذي يتجلى في مراتبه و يظهر بصورها وحقايقها في العلم والعين فيتسمى بالماهية (24) والأعيان الثابتة (25، كما نبينه في الفصل الثالث، انشاء الله تعالى.
فلا واسطة بينه وبين العدم، كمالا واسطة بين الموجود والمعدوم، مطلقا.
والماهية (26) الحقيقية (27) واسطة بين وجودها الخاص وعدمها والمطلقة الاعتبارية (28) لا تحقق لها في نفس الأمر (29) والكلام فيما له تحقق فيه (30).
ولا ضد له ولا مثل لأنهما موجودان متخالفان أو متساويان (31)، فخالف جميع الحقايق (32) لوجود أضدادها وتحقق أمثالها (33) دونه، فصدق فيه: (ليس كمثله شئ) (34). والوجود، من حيث هو واحد، لا يمكن ان يتحقق في مقابله وجود آخر، وبه يتحقق الضدان ويتقوم المثلان، بل هو الذي يظهر بصورة الضدين و غيرهما (35) ويلزم منه (36) الجمع بين النقيضين إذ كل منهما يستلزم سلب الآخر. و

(١١) - العرض والجوهر.
(١٢) - للزوم الدور أو التسلسل.
(١٣) - لان العام غير الخاص.
(١٤) - حاصله ان كون مفهوم الوجود اعتباريا لا يستلزم كون حقيقته اعتبارية. وانما أدى بهذه العبارة ايماء إلى ان المفهوم أيضا من تجلياته وهو الحقيقة المتنزلة لا غير. ١٢ ١٥ - أي، التنزل في مقام المفهوم. ١٢ ١٦ - ثبوتية.
١٧ - انما نسب الانبساط إليه من جهة ان الفيض هو المفيض بوجه. ١٢ ١٨ - هذا إذا كان المضاف إليه ممكنا، واما إذا كان ممتنعا كشريك الباري فعدمه واجب، وإذا كان واجبا فعدمه ممتنع، وأيضا العدم المضاف قد يتحقق كالعمى بخلاف العدم المطلق. ١٢ ١٩ - كالكثرة والوحدة فان العدم المطلق واحد والمضاف كثير. ١٢ ٢٠ - لكونه الظاهر بالذات ولكونه مشهودا أولا ومدركا بتمام القوى. ١٢ ٢١ - بمعنى كمال الظهور.
٢٢ - اعلم، ان الحق تعالى، ماهيته عين إنيته فكيف يتصف بالظهور والخفاء باعتبار واحد؟ و تحقيق الحق ان الإنية، كما صرحوا به، عبارة عن ظاهر الحق تعالى باعتبار شمول ظهوره لبطونه، قال تعالى: (انه انا الله لا اله الا انا)، يعنى، ان الهوية المشار إليها بلفظة (هو) هي عين الإنية المشار إليها بلفظة (انا)، فكانت الهوية معقولة في الإنية. وهذا معنى قولهم: ظاهره باطنه وباطنه ظاهره، لا انه باطن من جهة، ظاهر من أخرى. ولما كان اعتبار البطون عين الظهور، يوجب للعقل ترددا، أكدها بقوله: (لا اله الا انا). فالمسمى بالظاهر عين المسمى بالباطن والفرق بالاعتبار: فالإنية إشارة إلى الذات باعتبار ظهورها، والحقيقة إشارة إلى الذات باعتبار خفائها. فافهم. (غلامعلى).
23 - في الظهور، اعلم، ان الموجود المطلق إذا اخذ بشرط المحوضة فهو عين المرتبة البسيطة الأحدية، وإذا تنزل، أي تجلى، في مراتب كمالاته وتبدى بصور أسمائه وصفاته يصير عقلا ونفسا بلا تجاف عن مقامه الأصلي. وليس يتجزى عند ظهوره بصور الممكنات لأنه بسيط من جميع الوجوه بل يظهر بتمامه في تمام الأشياء والأشياء لنقصانها لا يحكى عنها الا بقدر استعدادها، وهو عين كل مرتبة في تلك المرتبة لسعته وحيطة كماله، وغيره في مرتبة ذاته كما ان المراتب عينه في مرتبته وغيره في مرتبتها فهي غيره بوجه وعينه بوجه فهي متكثرة من وجه ومتحدة من وجه، فالتوحيد الخاص الخاص هو الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة. 12 24 - في العين.
25 - في العلم.
26 - قيل، المراد بها الأعيان الثابتة الممكنة والمراد بالمطلقة الاعتبارية الأعيان الممثلة. 12 27 - أي، التي يتحقق في العين.
28 - وهي مفهوم الماهية المشتركة بين الماهيات. 12 29 - أي، في حضرة العلم، بمعنى انها ليست لها حقيقة تظهر في العين ولا لها وجود خاص بها كان الحق واجدا له. فافهم.
30 - لا يقال، ان الكلام في عدم الواسطة بين الوجود والعدم لا فيما له تحقق في الخارج أم لا.
لأنا نقول، ان هنا قضيتين: الأولى انه لا واسطة بين الوجود والعدم، والثانية ان الماهية واسطة بين الوجود والعدم. ومراد الشارح، قدس سره، ان الماهية، سواء كانت حقيقية أي ما كان متحققا في الخارج أم اعتبارية، ليست بواسطة بين الوجود المطلق والعدم المطلق، واما الماهية الحقيقية التي هي واسطة فهي واسطة بين وجودها الخاص و عدمها لا الوجود المطلق، فالمراد بقولنا: الماهية واسطة، الماهية الحقيقية وماله تحقق، واما الماهية المطلقة فلا كلام فيها لأنه لا تحقق لها والكلام فيما له تحقق. (من إفادات الأستاذ آقا محمد رضا قمشه اى، رض) 31 - حاصله، ان الضدين الماهيتان الموجودتان المتخالفتان والمثلين الماهيتان الموجودتان المتساويتان. والوجود لا ماهية له فليس موجودا بهذا المعنى بل معنى كونه موجودا ان الموجودية عين ذاته ونفس تحققه. 12 32 - والأعيان الثابتة. 12 33 - ان قلت، ما تقول في العقل الأول، مثلا، حيث لا مثل له لأنه منحصر في الفرد والمثلان هما الفردان المتساويان في الماهية النوعية؟ قلت، هذا بالنظر إلى وجوده واما بالنظر إلى ماهيته فيمكن له المثل. ان قلت، الممكن ما يمكن وجوده في الخارج مع ان وجود المثل له ممتنع فيه فان وجود ما يماثله يستلزم التكرار في التجلي وهو محال: (وما أمرنا الا واحده).
قلت، عدم امكان وجوده ثانيا بالنظر إلى فاعله الحق تعالى شأنه، فإنه لا يتجلى في صورة مرتين واما بالنظر إلى نفس القابل بما هي قابلة فلا امتناع. ان قلت، نفس القابل أيضا تتأبى عن هذا القبول، فان القابل لا يستدعى المحال عن المفيض الفعال بل مع قطع النظر عن لزوم التكرار لا يمكن أيضا وجود المثال له بما هو عقل أول، لان الماهيات الموجودة في سلسلة النزولية موجودة بتمام وجوداتها الخصيصة بها فلو وجدت ثانيا لزم اما كونها عينها بحسب وجوداتها أو من يراد، التالي بشقيه محال فكذا المقدم. قلت، الحق في الجواب انه لا ماهية له بحسب الواقع والفرق بينه وبين مبدئية المفيض بالشدة والضعف. أو نقول على فرض التسليم يكون له المثل بمعنى آخر. فافهم. (غلامعلى).
34 - أي، كل الأشياء ثابتة فيه هالكة فلا شئ يماثله في الشيئية والوجود. 12 35 - ويتجلى بهما.
36 - أي، الظهور في صورة الضدين. 12
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»