شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٣
الفصل الأول في الوجود (1) وانه (2) هو الحق (3) اعلم، ان الوجود من حيث هو (4) هو غير الوجود الخارجي والذهني، إذ كل منهما نوع من أنواعه (5) فهو من حيث هو هو، أي لا بشرط شئ، غير مقيد بالاطلاق والتقييد ولا هو كلي ولا جزئي ولا عام ولا خاص (6) ولا واحد بالوحدة الزائدة (7) على ذاته ولا كثير، بل يلزمه هذه الأشياء بحسب مراتبه (8) وتجلياته ومقاماته المنبهة عليها بقوله: (رفيع الدرجات ذو العرش). فيصير مطلقا ومقيدا وكليا وجزئيا و عاما وخاصا وواحدا وكثيرا (9) من غير حصول التغيير في ذاته وحقيقته. وليس بجوهر لأنه موجود في الخارج لا في موضوع أو ماهية لو وجدت لكانت لا في موضوع، والوجود ليس كذلك والا يكون كالجواهر المتعينة المحتاجة إلى الوجود الزائد ولوازمه، وليس بعرض لأنه عبارة عما هو موجود في موضوع أو ماهية لو وجدت لكانت في موضوع، والوجود ليس موجودا بمعنى ان له وجودا زائدا فضلا عن ان يكون موجودا في موضوع، بل موجوديته بعينه وذاته لا بأمر آخر يغايره عقلا أو خارجا (10)، وأيضا، لو كان عرضا لكان قائما بموضوع موجود قبله بالذات

(١) - قد اختلف أصحاب القلوب من مشايخ العرفاء، بعد اتفاقهم في وحدة الوجود وانه هوية عينية متحققة بنفس ذاتها، في ان حقيقة الواجب، عز اسمه، هل هو الوجود المأخوذ لا بشرط الأشياء وعدمها، أي نفس طبيعة الوجود من حيث هو هو المعبر عندهم بالهوية السارية في الواجب والممكن والغيب المجهول وغيب الهوية وعنقاء المغرب، إذ لا يبلغه عقول العقلاء ولا يصطاده أوهام الحكماء، كما قيل بالفارسية: عنقا شكار كس نشود دام باز گير كانجا هميشه باد به دست است دام را، أو الماخوذ لا بشرط عدم الأشياء المسمى بمرتبة الأحدية والغيب الأول والتعين الأول والوجود بشرط لا. ففريق منهم يقولون بالأول وفريق بالثاني. والفريقان يتفقان في ان الوجود العام المنبسط على الأشياء والأعيان الثابتة والخارجية في العلم والعين المعبر بالنفس الرحماني والفيض الأقدس في مقام العلم والفيض المقدس والحق الثاني والحق المخلوق به في مقام العين، ظل لتلك الحقيقة و ظل الشئ عينه بوجه وغيره بوجه.
وتحقيق المقام يستدعى مقدمة. هي ان المصداق بالذات لكل مفهوم ما ينتزع منه ذلك المفهوم مع عزل النظر عن جميع ما يغايره، من الحيثيات التقييدية والتعليلية، ويحمل عليه والا لم يكن المصداق مصداقا بالذات، والذاتي ذاتيا كما ان مفهوم السواد ينتزع من نفس طبيعة السواد مع عزل النظر عن انها مع عدم البياض وغيره من الإضافات والاعتبارات.
ولذلك كان حمل ذات الشئ أو ذاتياته عليه بالضرورة الذاتية، فان كانت الذات أزلية كانت الضرورة ذاتية أزلية والا كانت ذاتية غير أزلية. إذا تمهد ذلك فنقول، انتزاع مفهوم الوجود عن طبيعته وحمله عليها باعتبار نفس ذات تلك الطبيعة مع عزل النظر عن جميع الحيثيات والاعتبارات، تعليلية كانت أو تقييدية، فكان حمله عليها بالضرورة الذاتية. ولما كانت تلك الطبيعة أزلية، والا لكانت لها علة موجودة فيلزم تقدم الشئ على نفسه، فكان حمل المفهوم عليها بالضرورة الأزلية، وإذا كان الامر كذلك فالوجود المأخوذ لا بشرط هو الحق الواجب بالذات، لا المأخوذ بشرط لا إذ لا دخل لذلك القيد في انتزاع المفهوم وحمله عليه وضرورته الأزلية، إذا المفهوم ينتزع من نفس ذاته من غير ملاحظة الغير والقيد ملاحظة الغير. وأيضا، الوجود العام المجامع للأشياء ظل للوجود المأخوذ لا بشرط لا المأخوذ بشرط لا وان كانا عينا واحدة لكن الاعتبار مختلف ولذلك يجامع الأشياء، فان بشرط لا، يتأبى عن الاجتماع مع الأشياء. وليتأمل في قوله تعالى: (هو معكم) وقوله:
(هو الأول والآخر والظاهر والباطن) وقوله: (ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) وقوله: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق). وقول أمير المؤمنين، عليه السلام: (داخل في الأشياء لا بالممازجة، خارج عن الأشياء لا بالمزايلة). وقوله، صلى الله عليه وآله وسلم: (لو دليتم بالأرض السفلى، لهبطتم على الله)، كل ذلك يدل على ما أفدناك. فان قلت، إذا كان حقيقة الواجب نفس الطبيعة والطبيعة مع كل موجود فحقيقة الواجب مع كل موجود اما عينه أو جزؤه، لان الوجود اما عين الموجود أو جزوه. قلت: قد أشرت إلى ان طبيعة الوجود ينتزع عنها مفهوم الوجود مع عزل النظر عن جميع الحيثيات والاعتبارات سوى حيثية ذاتها، وماهيات الأشياء ينتزع عنها مفهوم الوجود باعتبار الحيثيتين التقييدي والتعليلي معا، ووجودات الأشياء ينتزع عنها المفهوم باعتبار الحيث التعليلي، فليس شئ منها نفس الطبيعة بخلاف الواجب بالذات. وليتأمل في قوله تعالى: (ليس كمثله شئ). فلو كان وجودات الأشياء افراد الطبيعة، كانت أمثالا له، تعالى عن ذلك. فان قلت، فهو تعالى ليس مع الأشياء وقد قال (هو معكم). قلت، الوجود العام مع كل شئ وهو ظله تعالى، كما أشرت إليه، وظل الشئ عينه بوجه فهو مع كل شئ. والحاصل، ان الوجود المأخوذ لا بشرط، أي طبيعة الوجود من حيث هو هو، موجود بالضرورة الأزلية وكل موجود كذلك واجب الوجود بالذات فالوجود المأخوذ لا بشرط واجب الوجود بالذات. والوجود العام المنبسط عينه بوجه وغيره بوجه، وبوجه العينية مصحح الوحدة وبوجه الغيرية مصحح الكثرة، و بالوحدة يصح التوحيد الوجودي وبالكثرة يصح اختلاف احكام الواجب والممكن والنزول والصعود والمبدء والمعاد والملل والأديان والشرايع والاحكام. ولو تأملت فيما مر، يظهر لك معنى آخر وهو ان وحدة الوجود وحدة شخصية لا وجود ولا موجود الا هو والوجودات الإمكانية ظهوراته وشؤوناته ونسبه واعتباراته. موجود تويى على الحقيقة باقى نسبند واعتبارات. واعلم، ان الوجود لما كان حيث ذاته حيث التحقق والعينية، فهو متحقق بنفس ذاته، ولما كان واجبا بذاته والواجب بالذات ماهيته إنيته، فليس فيه سوى حيث الوجود حيث، فلم يكن معه شئ، فكان الله ولم يكن معه شئ و الان كما كان، وهذا هو الذي يوهم انه وجود بشرط لا، والامر كذلك الا ان كونه بشرط لا من لوازم ذاته ولا دخل له في وجوب ذاته. فان قلت، فما معنى سريان تلك الحقيقة في الواجب والممكن؟ قلت، معنى السريان، الظهور، فقد يكون ظاهرا بنفس ذاته لذاته وهذا معنى سريانه في الواجب، وقد يكون ظاهرا في ملابس الأسماء والأعيان الثابتة في العلم، وقد يكون ظاهرا في ملابس أعيان الموجودات في الأعيان والأذهان وهذا سريانه في الممكن، والكل شؤوناته الذاتية. فالوجود المأخوذ لا بشرط عين الوجود بشرط لا بحسب الهوية والاختلاف انما هو في الاعتبار وإليه أشير في قوله تعالى: (قل هو الله أحد). فان لفظ (هو) يشير إلى الذات. ويشير إلى ان لا اسم له، ولفظ الله اسم لذات الحق بحسب الظهور الذاتي ولفظه أحد قرينة دالة على ان اسم الله هناك للذات فإنه مشترك بين الذات وهي الذات الجامعة لجميع الصفات وفي الظهور الذاتي أي التجلي الذاتي بالأسماء الجلالية والأحدية الذاتية لا نعت ولا صفة كما قال آدم الآولياء: كمال التوحيد نفى الصفات عنه. كمال الاخلاص نفى الصفات، كما في النهج أي الغيب المجهول هو الذات الظاهرة بالأحدية. ولما كان لفظة أحد قد تعلق بمعنى سلبي كما في هذا الوضع فإنه يسلب عنه جميع الأشياء بل الأسماء، فيتوهم انه خال عن الأشياء فاقد لها، فاستدرك بقوله: (الله الصمد، فان الصمد هو الواحد الجامع، ثم استدل عليه بأنه لم يلد ولم يولد، أي لم يخرج عنه شئ ولم يخرج عن شئ ليكون ناقصا بخروج شئ عنه. فأحديته يسلب تعينات الأشياء عنه، وصمديته باندماج حقايقها فيه. هذا بيان المرام في المقام والله اعلم بالسرائر والضماير. (للأستاذ ميرزا محمد رضا القميشه اى أدام الله تعالى فيضه على المستعدين).
(2) - وانه ليس بكلي وجزئي و...، من أوصافه السلبية، أو انه كذا وكذا، من أوصافه الثبوتية. والاستدلال منه على وجوبه، ولما كان المنشأ لذلك النظر في الوجود نفسه فهو دليل القديسين أو باعتبار كون أوصافه تعالى عين ذاته 12.
(3) - الواجب بالذات.
(4) - لا بشرط.
(5) - أي تجل من تجلياته.
(6) - لان هذه الأوصاف للمفاهيم، وحقيقة الوجود ليست من قبيل المفاهيم بل هي مظاهرها عند مجليها 12 (7) - كما هي أوصاف للماهية. 12 (8) - وهي كثيرة بما هي مراتب ومتحدة بما هي وجود. والماهيات أيضا من مراتبه لأنها وجودات خاصة. 12 (9) - بحسب مراتبه وشئونه فيتصف بها باعتبار اتحاده مع تلك المراتب. 12 (10) - فيه إشارة إلى رد بعض المشائين حيث قال بكون الوجود محمولا بالضميمة للماهية. 12
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 3 4 5 6 7 13 14 15 16 17 18 ... » »»