شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٨
على نفسه (107). لا يقال (108)، الممكن في وجوده (109) لا يحتاج إلى علة وهو غير موجود عندنا (110) لكونه اعتباريا، لأنا لا نسلم ان الاعتباري (111) لا يحتاج إلى علة فإنه لا يتحقق في العقل الا باعتبار المعتبر فهو علته. وأيضا، المعتبر (112) لا يتحقق في الخارج الا بالوجود إذ عند زوال الوجود عنه مطلقا لا يكون الا عدما محضا فلو كان اعتباريا لكان جميع ما في الوجود أيضا اعتباريا إذ الماهيات منفكة عن الوجود أمور اعتبارية (113) وهو ظاهر البطلان. وتحقق الشئ بنفسه لا يخرجه عن كونه أمرا حقيقيا (114) ولأن (116) طبيعة الوجود من حيث هي هي حاصلة للوجود الخاص الواجبي (117) وهو في الخارج فيلزم ان يكون تلك الطبيعة موجودة فيه لكن لا بوجود زائد عليها، وحينئذ لو كانت ممكنة لكانت محتاجة إلى علة ضرورة.
تنبيه (118) وآخر الوجود ليس بجوهر ولا عرض لما مر، وكل ما هو ممكن فهو اما جوهر أو عرض ينتج ان الوجود ليس بممكن فتعين ان يكون واجبا (119).
وأيضا، الوجود لا حقيقة له زائدة على نفسه والا يكون كباقي الموجودات في تحققه بالوجود ويتسلسل، وكل ما هو كذلك (120) فهو واجب بذاته لاستحالة (121) انفكاك ذات الشئ عن نفسه.
فان قلت: الوجوب نسبة تعرض للشئ نظرا إلى الوجود الخارجي، فمالا وجود له في الخارج زائدا على نفسه (122) لا يكون متصفا بالوجوب.
قلت: الوجوب عارض للشئ الذي هو غير الوجود باعتبار وجوده، اما إذا كان ذلك الشئ عين الوجود فوجوبه بالنظر إلى ذاته لا غير لأن الوجوب يستدعى التغاير مطلقا (123) لا بالحقيقة (124) كما ان العلم يقتضى التغاير بين العالم و المعلوم تارة بالاعتبار وهو عند تصور الشئ نفسه، وتارة بالحقيقة، و هو عند تصوره غيره.
وأيضا، كل ما هو غير الوجود يحتاج إليه من حيث وجوده وتحققه، والوجود من حيث هو وجود لا يحتاج إلى شئ فهو غنى في وجوده عن غيره، وكل ما هو غنى

107 - أقول، يمكن ان يبرهن على تلك البغية من مسلك آخر لاح لي عند التعمق البليغ فيه و هو يبتنى على مقدمات بينة أو مثلها: الأولى، ان البرهان القاضي بأصالته وتحققه بالذات في الخارج مطلق غير مقيد وعام غير مخصص، أي يقضى بأصالة تلك الحقيقة مطلقا لا ينظر في ذلك الحكم إلى ما يضاف إلى الواجب أو الممكن، الثانية، ان الشئ لا ينفك عن نفسه بالأولى مطلقا وان نسبته إلى نفسه لا تتساوى نسبته إلى غيره بل هذه بالوجوب وتلك بالامتناع، الثالثة، ان الامكان الماهوي يخالف الامكان الوجودي فان الأول بسلب ضرورة النسبتين أو بتساويهما والثاني بالفقر والربط المحض، والرابعة، ان حقيقة الوجود لا يعقل في مقابلها الا العدم البحت، أي ليس ورائها الا العدم. إذا تمهدت تلك المقدمات نقول، لو لم يكن الوجود واجبا لكان ممكنا فان المقسم هو الموجود فلا يكون ممتنعا، ولكنه ليس بممكن فيكون واجبا: فان الامكان ان كان بمعنى الماهوي يلزم خلاف ما قرر في الثانية، وان كان بمعنى المقول في الوجود يلزم خلاف ما قرر في الرابعة. وأيضا معنى الوجوب في البسيطة ليس ما ذكر في الميزان، فان مفادها في غيره كون الشئ، وفيه كون نفسه، لا ما يعتبر فيه انعقاد القضية، فهو بمعنى تأكده وشدته وهما في الحقيقة الاطلاقية أصدق وأليق. فافهم. (غلامعلى) 108 - قوله (لا يقال...) أراد ان الممكن موجود بوجود زائد على نفسه وذلك الوجود جهة احتياجه إلى العلة، والوجود، وان كان ممكنا، لكنه ليس موجودا بوجود زائد على نفسه لأنه اعتباري والاعتباري لا يكون موجودا، فلا يكون محتاجا إلى العلة لعدم جهة الاحتياج إلى العلة فيه. فأجاب أولا، بمنع كون الاعتباري غير محتاج إلى العلة، لما استدل المستدل على عدم احتياجه احتج الشارح المانع إلى سند المنع، فذكره. وثانيا، بمنع كون الوجود اعتباريا، واستدل على عدم اعتباريته ودفع توهم كونه اعتباريا بقوله: وتعلق الشئ بنفسه، إلى آخره. ثم استدل على كونه موجودا بقوله: (ولان...). (محمد رضا قمشه اى سلمه الله تعالى) 109 - لا في ذاته. والصحيح تحقق الشئ بنفسه بلا حيثية تقييدية.
110 - القائلين باعتباريته.
111 - على طريق المماشاة.
112 - بالكسر اسم الفاعل، قيل، أي الشئ الاعتباري. 12 113 - وانضمام الاعتباري بالاعتباري لا يفيد التحقق. 12 114 - رد على الشيخ الاشراقي، حيث قال كلما يلزم من فرض وجوده تكرر طبيعته فهو اعتباري. (غلامعلى) 115 - أي، الوجود بنفسه في كونه موجودا لا بأمر يغاير، رد على من زعم ان الوجود اعتباري، لأنه لو كان موجودا لكان له وجود وهكذا فيتسلسل، وهو محال. 12 116 - تعليل آخر لكون الوجود موجودا في الأعيان ويمكن كونه دليلا آخر على انه واجب لذاته. فتأمل. 12 117 - والتحقيق ان الوجود المطلق ليس بعام ولا خاص ثم يصير عاما ثم يصير خاصا. 12 118 - انما صدر هذه المباحث بالتنبيه مع انها برهانية، للإشارة إلى ان هذا التصديق أي قولنا الوجود واجب بديهي لا يحتاج إلى البرهان، الا ان التصديقات البديهية قد يقع فيها الخفاء لعدم تصور أطرافها كما هي فتحتاج إلى تنبيه ما، كما فيها نحن فيه. فان بين تصور معنى الوجود وانه بذاته يأبى عن العدم وبذاته يقتضى تحققه لا بأمر زائد عليه، ومعنى الوجوب وانه عبارة عن امتناع انفكاك الشئ عن نفسه، يتيقن بالحكم بان الوجود واجب.
(غلامعلى) 119 - لعدم الواسطة.
120 - هذا منتقض بالوجودات الخاصة، فليتأمل.
121 - تعليل لقوله (واجب بذاته).
122 - كالوجود.
123 - ولو اعتبارا.
124 - أقول، هذا على فرض تسليم كون الوجوب من الجهات والكيفيات للنسبة هنا، لأنه لا رابط في الهلية البسيطة بل معناه شدة الوجود وتأكده. (غلامعلى)
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»