شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٧
عين الأشياء بقوله: (هو الأول ولآخر والظاهر والباطن (88) وهو بكل شئ عليم).
فكونه عين الأشياء بظهوره في ملابس (89) أسمائه وصفاته في عالمي العلم والعين، و كونه غيرها باختفائه (90) في ذاته واستعلائه بصفاته (91) عما يوجب النقص والشين و تنزهه عن الحصر والتعيين وتقدسه عن سمات الحدوث والتكوين. وايجاده للأشياء، اختفاؤه (92) فيها مع اظهاره إياها (93) واعدامه لها في القيامة الكبرى، ظهوره بوحدته وقهره إياها بإزالة (94) تعيناتها وسماتها وجعلها متلاشية كما قال:
(لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) و (كل شئ هالك الا وجهه). وفي الصغرى تحوله (95) من عالم الشهادة إلى عالم الغيب (96)، أو من صورة إلى صورة في عالم واحد (97).
فالماهيات صور كمالاته ومظاهر أسمائه وصفاته (98)، ظهرت أولا في العلم ثم في العين بحسب حبه اظهار آياته ورفع اعلامه وراياته فتكثر بحسب الصور و هو على وحدته الحقيقية (99) وكمالاته السر مدية. وهو يدرك حقايق الأشياء بما يدرك حقيقة ذاته لا بأمر آخر (100) كالعقل الأول (101) وغيره، لان تلك الحقايق أيضا عين ذاته حقيقة وان كانت غيرها تعينا. ولا يدركه غيره كما قال: (لا تدركه الابصار و هو يدرك الابصار) و (ولا يحيطون به علما) و (ما قدروا الله حق قدره) (102)، (ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد)، نبه عباده تعطفا منه ورحمة لئلا يضيعوا أعمارهم فيما لا يمكن حصوله. وإذا علمت ان الوجود هو الحق وعلمت سر قوله: (وهو معكم أينما كنتم)، (ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون)، (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) (103)، (وهو الذي في السماء اله وفي الأرض اله) (104). وقوله: (الله نور السماوات والأرض)، (والله بكل شئ محيط) و (كنت سمعه وبصره). و سر قوله عليه السلام: (لو دليتم بحبل لهبط على الله)، وأمثال ذلك من الاسرار المنبهة للتوحيد بلسان الإشارة.
تنبيه للمستبصرين بلسان أهل النظر الوجود واجب لذاته (105) إذ لو كان ممكنا لكان له علة موجودة (106) فيلزم تقدم الشئ

88 - هو الأول الذي يبتدى منه الوجود الإضافي باعتبار اظهاره، والآخر الذي ينتهى إليه الوجود باعتبار امكانه وانتهاء احتياجه إليه، فكل شئ به يوجد وفيه يفنى فهو أوله وآخره في حالة واحدة باعتبارين، والظاهر في المظاهر الكونية بصفاته وأفعاله، والباطن باحتجابه بماهياته وصفاته. 12 89 - الماهيات.
90 - عن المراتب لا عن الذات. 12 91 - الذاتية.
92 - كاختفاء النفس في مراتبها. 12 93 - والا لم يمكن ظهور الأشياء.
94 - على نحو الاستهلاك في نظر شهود السالك لا على نحو الهلاك لان الوجود لا يعدم. 12 95 - تحول عالم الحس من النفس إلى عالم الخيال.
96 - الآخرة.
97 - باعتبار ان مجموع العالم شخص واحد ذو درجات. 12 98 - أي، ما يمتاز به كمالاته وأسمائه كل من الآخر ويعلم.
99 - أي، التجليات لا تستلزم تغيرا في ذاته ولا في صفاته. 12 100 - لان الأشياء وجودات خاصة مستجنة في نسب ذاته وهي في تلك المرتبة عين ذاته.
والحاصل، ان الذات في مرتبة صرافتها ومحوضتها لا تقتضي اسما ولا رسما وتلك الأسماء تطلق عليها عند تنزلها في مراتب كمالاتها. فالماهيات هي الحق في الأحدية والجمع باعتبار الكثرة التي فيما لا يزال، الا انه يلزم تلك الأسماء المختلفة عند تنزله وتجليه في المراتب التي ما دون مرتبته الأحدية. وبالجملة للوجود في كل مرتبة اسم الا في مرتبة الأحدية. 12 101 - أي لا واسطة في علمه. 12 102 - أي، ما عرفوه حق معرفته إذ انتسبوا التأثير إلى غيره واثبتوا وجوده بغيره ولو عرفوه لكانوا فانين فيه لا يرون الا الله شيئا.
103 - من أنوار تجلياتها.
104 - أي، هو معبود في جميع المراتب.
105 - الواجب عند الحكماء جزئي حقيقي متعين بتعين هو عين ذاته. وعند الصوفية ليس بكلي ولا جزئي ولا عام ولا خاص وبالجملة هو اللا متعين الصرف. فافهم.
106 - أي سواء كانت علته نفسه أو جزئيا من جزئياته.
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»