شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٢٥
في نفس الوجود (188). أي العقل يحكم ان العلم مغاير للقدرة والإرادة في العقل كما يحكم بالمغايرة بين الجنس والفصل، واما في الوجود فليست الا الذات الأحدية فقط، كما انهما (189) في الخارج شئ واحد وهو النوع. لذلك قال أمير المؤمنين كرم الله وجهه: (كمال الاخلاص له نفى الصفات عنه). وفي المرتبة الثانية يتميز العلم عن القدرة وهي عن الإرادة (190)، فيتكثر الصفات وبتكثرها يتكثر الأسماء ومظاهرها (191) ويتميز الحقايق الإلهية بعضها عن بعض. فالحياة والعلم والقدرة وغير ذلك من الصفات تطلق على تلك الذات (192) وعلى الحقيقة (193) اللازمة لها من حيث انها مغايرة لها (194) بالاشتراك اللفظي (195) لان هذه الحقايق اعراض من وجه لأنها اما إضافة محضة (196) أو صفة حقيقية (197) ذات إضافة (198)، و جواهر من وجه آخر كما في المجردات، إذ علمها بذواتها عين ذواتها من وجه (199)، و هكذا الحياة والقدرة، وتلك الذات جلت من ان يكون جوهرا أو عرضا. و يظهر حقيقة هذا المعنى (200) عند من ظهر له سريان الهوية الإلهية في الجواهر كلها التي هذه الصفات عينها. ومن حيث ان هذه الحقايق كلها وجودات خاصه والذات الأحدية وجود مطلق والمقيد هو المطلق مع إضافة التعين إليه وهو أيضا يحصل من تجلياته، تكون اطلاقها عليها وعلى تلك الذات بالاشتراك المعنوي على سبيل التشكيك، وعلى افراد نوع واحد منها كالتعينات في العلم، مثلا، على سبيل التواطؤ. فهذه الحقايق تارة لا جوهر ولا عرض وهي واجبة قديمة، وتارة جواهر ممكنة حادثة، وتارة اعراض تابعة للجواهر. فمن لاح له حقيقة ما ذكر و ظهرت وجوه الاعتبارات عنده خلص من الشكوك والشبهات، والله الهادي.

(188) - كما انه يحكم بالاتحاد في الخارج. 12 (189) - الجنس والفصل.
(190) - وهي تخصيص الحق تعالى لمعلوماته بالوجود على حسب ما اقتضاه العلم. والإرادة التي فينا عين تلك الإرادة لكن باعتبار نسبتها إلينا كان الحدوث اللازم لنا لازما لها، فنقول بان الإرادة مخلوقة. ثم اعلم ان للإرادة مظاهر فينا: الأول، الميل وهو اجتذاب القلب إلى مطلوبه ومحبوبه، والميل عام السريان ونعم ما قيل: يكى ميل است در هر ذره رقاص كشد آن ذره را تا مقصد خاص. وإذا قوى الميل واستدام سمي ولعا وهو المظهر الثاني لها، ثم إذا اشتد وزاد، أي اخذ القلب في الاسترسال فيمن يحبه سمى صبابة كأنه مأخوذ من انصباب الماء إذا فرع وهي المظهر الثالث لها، ثم إذا انفرع القلب له بالكلية و تمكن ذلك منه سمى شغفا وهو المظهر الرابع، ثم إذا استحكم في الفؤاد واخذه عن الأشياء سمى هوى وهو المظهر الخامس، وهو ما أشار إليه وقال: (هوى ناقتي خلفي و قدامي الهوى) وهو المظهر الخامس، ثم إذا استوفى حكمه على الجسد سمى ولعا غراما وهو المظهر السادس، ثم إذا نما وزالت العلل الموجبة للميل سمى حبا وهو المظهر السابع، ثم إذا هاج وافنى المحب عن نفسه سمى ودا وهو المظهر الثامن، ثم إذا طفح حتى افنى المحب والمحبوب سمى عشقا، وفي هذا المقام يرى العاشق معشوقه ولا يعرفه، كما هو مشهور عن مجنون في بعض حالاته وعند هذا لا يبقى الا العشق وحده وهو الذات الصرف، فافهم. (غلامعلى) وما ذكر في برزات الإرادة مأخوذ عن العارف الجيلي في الانسان الكامل، مع تلخيص: ط ق، ج 1، ص 48.
(191) - أي، الأعيان الثابتة فالصفات واسطة في ثبوت تكثر الأسماء بالذات وتكثر مظاهرها بالعرض.
(192) - اعلم، انه لا منافاة بين كون الذات الأحدية لا اسم له ولا رسم له وبين اطلاق الصفات عليه، لان اطلاق الصفات عليه لا يقتضى كون الصفات أسماء له ورسوما له لان الشئ لا يكون اسما للذات الأحدية الجامعة لجميع الوجودات والكمالات الا بعد جامعيته لجميع المفاهيم وليس لنا اسم يكون بهذه المثابة، أي على نحو يكون مفهومه عين جميع المفاهيم، حتى لفظة الله، فإنه أيضا مفهوم واحد يأبى عن الاجتماع مع ساير المفاهيم بل اطلاق الصفات على الذات الأحدية للاشعار على ان هذه الذات جلت عن الادراك، جامع واجد لحقيقة هذه الصفات وهذا بخلاف الاطلاق على الذات الواحدية، فان العالم والقادر، مثلا، اسمان للذات الواحدية المتجلية في مرتبة العلم والقدرة. 12 (193) - أي، المعنى الذي يعبر عنه بالعلم والقدرة وأمثالهما. 12 (194) - انما قال: من حيث انها مغايرة لها، إشارة إلى انهما من حيث الاطلاق والتقييد متحدان بالاشتراك المعنوي وان المطلق عين المقيد في الوجود. (غلامعلى) (195) - لا الاشتراك اللفظي المصطلح عند الأدباء، كمالا يخفى.
(196) - كالأولية والآخرية.
(197) - كالحياة والوجوب.
(198) - كالعلم والإرادة.
(199) - باعتبار ان الوجود متحد مع الماهية فعلمها بذواتها عين ذواتها بالعرض. 12 (200) - يعنى عينية هذه الحقايق للمجردات. 12
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 43 44 45 46 47 ... » »»