مفتاح الغيب - أبي المعالي القونوي - الصفحة ٩٥
صورته فتمر على المخارج التي أشرنا إليها وتتعين باللسان والتقاطع في كل منها ويصحب ذلك خصوص حكم الإرادة المتعلقة باظهار بعض الحروف مفردة ومركبة، لتوصيل بعض ما في نفس المتكلم إلى المخاطب مما تعذر على المخاطب معرفته دون تعريفه بهذا النوع من الكلام أو ما يقوم مقامه من الرقوم والحركات والإشارات، فيتنفس المتكلم مصوتا، وقد هيأ اللسان للفصل والتمييز بموجب الاستحضار الذهني التابع للتصور العلمي، فحيث انتهى قوة كل دفع وامتداد من امتدادات نفسه عند مخرج من المخارج - إذ لا يكون الانتهاء الا عند مخرج - ظهر للنفس بالصوت حين الانتهاء تعين خاص بالقصد والفاصل، يسمى ذلك النفس المتعين حرفا وذلك التعين هو مظهر التعين العلمي المذكور، ويعلم حد كل حرف بمستقره، ومستقره حيث يحصل له الاستغناء في ظهوره وتعين وجوده المطلوب، فحيث أمكن ذلك الظهور من المخارج اكتفى به عن سواه، واستقر النفس من حيث تعين ظهوره فيه - أي في المخرج - فظهر وتعين وسمى حرفا وجوديا، فالتلفظ يقع بالحروف من حيث استقراره حال تعينه وتحدده، ولذلك سمى حرفا.
وإذا عرفت هذا فاعلم: ان الكلام المعنوي عبارة عن ملاقاة واجتماع واقع بين الأسماء والحقائق بموجب احكام بعضها مع بعض وبين الأسماء والحقائق الكونية عند من يرى أن الحقائق ليست من الأسماء، وصورة هذا النوع من الكلام ونتيجته تظهر ان وتتعينان بحسب المرتبة التي يقع فيها الاجتماع والتلاقي والامر المقتضى للكلام، فيضاف الكلام إلى المرتبة والحكم في ذلك كله من حيث الاسم والصفة، والثمرة للأول انبعاثا والغالب ظهورا.
والكتاب المرتقم والكلم المنتظمة التابعة من محتد هذا الكلام الأول الغيبي الالى عبارة عن الأرواح، وما يفهم من خطاب الحق لها على ما بينها من التفاوت الذي أوجبه المراتب والوسائط وحكم الحال الجمعي وغير ذلك مما ذكرنا، فافهم. ويلي ذلك الكلام الروحاني، وهو عبارة عن تصادم القوى الروحانية من حيث قيامها بالأرواح، لا من حيث هي قوة مجردة، فإنها بذلك الاعتبار معان مجردة معقولة.
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»
الفهرست