مفتاح الغيب - أبي المعالي القونوي - الصفحة مقدمة المصحح ٩
رؤيا الشيخ الأكبر والامام الأكمل محيي الدين محمد بن علي بن محمد العربي رضي الله عنه الذي حكى له في هذا الباب -: واما انا فرأيت في الليلة التي أخذت بغداد في صبيحتها، النبي عليه السلام مكفنا على نعش، وأقوام يشدونه على النعش ورأسه مكشوف وشعره يكاد يمس الأرض، فقلت لأولئك: ما تصنعون؟ فقالوا: إنه مات ونحن نريد حمله ودفنه، فوق في قلبي انه عليه السلام لم يمت، فقلت لهم: ما ارى وجهه وجه ميت اصبروا حتى يتحقق الامر، فدنوت إلى فمه وانفه، فوجدته يتنفس نفسا ضعيفا، فصحت عليهم ومنعتهم مما كانوا عازمين عليه، واستيقظت فزعا كئيبا.
وعرفت بما كنت اعلم من هذه المسألة والتجارب المكررة، ان ذلك مثال حادث عظيم حدث في الاسلام، ولما كان الخبر قد وصل بان مغول قد قصدوا بغداد، وقع لي انه قد أخذت بغداد، فضبطت التأريخ، فجاء غير واحد ممن حضر الوقعة من أهل الخبرة وذكر ان ذلك اليوم أخذت بغداد، فخرجت الرؤيا على نحو ما وقع لي في تعبيرها، ولو ذكرت ما سمعته من الثقات وما جربته في هذه المسألة مرارا كثيرا في نفسي وفى غيري لطال الكلام، وانما ذكرت هذا القدر على سبيل التنبيه والانموذج.
ومما اشتبه على جماعة من السالكين طريق الله بسبب ما ذكرنا انهم رأوا النبي عليه السلام في زعمهم على ما مر بيانه وأخبرهم بأمور، فلم يقع على نحو ما وقع الاخبار به، فلما سألتهم عن جلية الصورة المرئية وأخبروني، وجدتها مخالفة بحلية صورته الأصلية، فأخبرتهم بالسبب ونبهتم ففرحوا وتنبهوا يعنى ذلك المرئي هو صورة الشرع بالنسبة إلى اعتقاد الرائي أو حاله أو بالنسبة إلى صفة أو حكم من احكام الاسلام، أو بالنسبة إلى الموضع الذي رأى فيه ذلك الرائي تلك الصورة التي ظن أنها صورة النبي، وقد جربنا ذلك كثيرا في أنفسنا وفى غيرنا وسمعنا من شيوخنا أيضا ما يؤيد ذلك مرارا شتى.
حياة الشارح وتصنيفاته ومولده ووفاته هو العالم المحقق والبحر المدقق مقتدى أصحاب التحقيق والتدقيق: شمس الدين محمد بن حمزة الفناري، الشهير ب‍ " ابن الفناري " قاضى قضاة المسلمين بمدينة بيورت وقسطنطنية
(مقدمة المصحح ٩)
الفهرست