الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٦٩٠
3) أعرب الكاتب في القسم الثالث (5 / 11 - 10 / 39) عن العقيدة كاملة تامة، لأنها تظهر بكل جلاء الميزات الخاصة بكهنوت المسيح. فالمسيح عظيم كهنة من نوع جديد (7 / 1 - 28)، وذبيحته الشخصية تختلف اختلافا شديدا عن الشعائر القديمة، وقد فتحت باب القدس الحقيقي (8 / 1 - 9 / 28) ونالت لنا غفران الخطايا حقا (10 / 1 - 18). فإن هذه الذبيحة تجعل نهاية للكهنوت القديم وللشريعة القديمة وللعهد القديم. هذا القسم أهم من سائر الأقسام وفيه مدخل (5 / 11 - 6 / 20) وخاتمة (10 / 19 - 39).
4) أراد الكاتب أن يحمل المسيحين على سلوك الطريق الذي شقته ذبيحة المسيح، فألح في رابع قسم ليظهر وجهين جوهرين من وجوه الحياة الروحية، وهما الإيمان على مثال الأقدمين (11 / 1 - 4) والصبر الذي لا بد منه (12 / 1 - 13).
5) وآخر الأمر وصف الكاتب في القسم الأخير (12 / 13 / 18) الحياة المسيحية، فدعا المؤمنين إلى أن يسلكوا بعزم الطريق القويم، طريق القداسة والسلام.
[كهنوت المسيح] من السهل على المرء أن يرى أن ما أتت به الرسالة إلى العبرانيين في ميدان العقيدة هو قبل كل شئ وصف الوجه الذي يتسم به سر المسيح. فإن الرسالة إلى العبرانيين وحدها بين مؤلفات العهد الجديد تطلق على المسيح لقبي كاهن وعظيم الكهنة. لهذا الأمر شأن عظيم، لأن فيه تعبيرا عن العلاقات بين الإيمان المسيحي وأحد أهم تيارات التقليد الكتابي الخاص بالعبادة، من طقوس وذبائح وكهنوت وقدس إله إسرائيل.
لم يكن شخص يسوع وعمله، لأول وهلة، مرتبطين بهذا الوجه من وجوه التعبير عن الدين.
فإن يسوع لم يكن من الطبقة الكهنوتية، ولم يدع لنفسه قط خدمة كهنوتية. أما حدث الجلجلة، فلم يكن له قط في ظاهره شئ من شعائر العبادة، بل قد ظهر فيه موت يسوع بمظهر عقوبة شرعية وعمل قانوني ينزل العار بالمحكوم عليه، ويفصله عن شعب الله، في حين أن الذبيحة هي عمل عبادة مجيدة يصل صاحبه بالله.
إن طابع الذبيحة لآلام المسيح وقيامته لا يظهر بجلاء تام إلا بفضل تخط مزدوج: يجب زوال ضيق التفكير التقليدي المتمسك بإقامة الطقوس من جهة، والكشف، من جهة أخرى، عن معنى الحدث في أعماقه، ذلك المعنى الكامن وراء ما يجهر للعيان. تفتح الفكر المسيحي ليتقبل هذا النور (راجع 1 قور 5 / 7 وروم 3 / 25 واف 5 / 2 و 1 بط 1 / 19) بإلهام أتاه من بعض آيات الأنبياء (1 ش 53 / 10) ومن أقوال يسوع (1 قور 11 / 25) وبإرشاد من بعض الظروف، مثل وقوع آلام المسيح في موعد عيد الفصح. ففي الرسالة إلى العبرانيين بلغ إعلان كهنوت المسيح كل ما يرام له من الوضوح. فلم يكن من الممكن الوصول إلى تلك النتيجة إلا إذا أجري بكل تنبه تشبيه بين آلام المسيح وموته وبين الطقوس القديمة وذبائح الحيوانات. يخشى، كما قلنا أن تحير تلك الإشارة قارئ عصرنا.
ولكن يحسن بنا أن نرى أن الكاتب لم يتوقف عند هذه المرحلة، بل لم يتكلم عليها إلا ليذهب بالمؤمن
(٦٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 685 686 687 688 689 690 691 692 693 694 695 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة