الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٦٩٢
فتوضح مضمون الإيمان (11 / 1 و 3 و 6)، في حين أن الأخرى أقرب إلى واقع الحال، فتظهر ما في الإيمان من قوة دافعة وتجعلها قريبة من الرجاء (11 / 1 و 8 - 10) الخ..) وهكذا يظهر كل من الفكر اليوناني والفكر اليهودي جنبا إلى جنب.
وذلك ما تمكن ملاحظته أيضا في كلامه على موضوعات أخرى، فإن العبادة القديمة، على سبيل المثال، تحدد بنسبتها إلى أمرين: فالكاتب يظهر فيها كلا من انعكاس الحقيقة السماوية التي لا تتغير (8 / 5 و 9 / 24) والمثال المسبق لحدث " آت "، أي ذبيحة المسيح التي سينجلي مغزاها في الأيام الأخيرة (9 / 7 - 12). وهكذا يكتسب ما في الرسالة من توافق بين العهدين القديم والجديد تشعبا فيه غنى كثير. ويلاحظ أيضا كيف يحسن الجمع بين كل من الاهتمام المتواصل بالحصول على القيم الأبدية ومن الالحاح بشدة، وهو يتكلم على الفعالية الحاسمة لحدث تاريخي حدث مرة واحدة (9 / 26 و 28). وهذا الجمع الغريب بين نظريتين قد تبدوان متنافرتين يظهر على وجه أكيد نفاذ ذهنه ويظهر أيضا، وفوق كل شئ، بعد غور إيمانه.
أهمل الكاتب ما عند بولس من تضاد بين الإيمان والأعمال، فلم يظهر ذلك التضاد قط في الرسالة إلى العبرانيين، بل أظهر بالأحرى أن الإيمان غني بالأعمال وأن جميع ما تم من أمور ذات قيمة في العهد القديم كان أساسه الإيمان، وقد نبه من جهة أخرى إلى أنه لا بد لإيماننا، ونحن في مرحلة تجربة، من أن يدعمه الصبر (6 / 12 و 10 / 36 و 12 / 1 - 13). أجل، أخذ المسيح على عاتقه ألم الإنسان وموته وجعل منهما السبيل إلى مجده (2 / 9) وخلاصنا (5 / 8 - 9)، ولكنه لم يفعل ذلك ليعفينا من أن نجابههما بأنفسنا، بل ليتيح لنا أن نجابههما والرجاء يغمر قلبنا (12 / 2 - 3).
لم يتردد الكاتب، مع أنه ألح كثيرا في ما لذبيحة واحدة، ذبيحة المسيح، من فعالية تامة، في أن يظهر الحياة المسيحية بمظهر تقديم " ذبائح " (في صيغة الجمع 13 / 16) ودعا المؤمنين إلى أن يرفعوا إلى الله بالمسيح يسوع " ذبيحة شكر " في كل حين (13 / 15). وقد أكد من جهة أخرى أن لحياة المسيحي في خدمة الإخوة والمحبة قيمة الذبيحة (13 / 16)، فإن المسيحي يتخذ ذبيحة المسيح مثالا ويتحد بالمسيح، فلا يضع العبادة بجانب حياته، ولكنه يتحد بالله في سيرته الحقيقية. ولا يعني ذلك البتة أنه ينغمس بكل ما فيه في مدينة هذه الأرض (راجع 13 / 12 - 14)، ولا أن تنحل كل جماعة مسيحية، بل ذكر الكاتب، خلافا لذلك، بضرورة اتحاد المسيحيين، فيهتم بعضهم ببعض (3 / 12 و 4 / 1 و 11 و 10 / 24 و 12 / 15)، ويجب عليهم أن يواظبوا على الاجتماعات المسيحية (10 / 25) ويطيعوا الرؤساء (13 / 17). وقد أعلن غير مرة أي شأن عظيم عنده للوعظ (2 / 1 و 3 و 4 / 2 و 5 / 11 و 13 / 7) وشعائر العبادة المسيحية (6 / 4 و 10 / 19 و 22 و 29). فإنه لوهم عظيم أن يدعي الإنسان الوصول إلى الله من غير أن يتحد بالمسيح وإخوته. وهكذا تبرز لنا الرسالة إلى العبرانيين صورة واضحة جدا رائعة في التوازن.
[جدلية العهدين] هناك مظهر أخير لما في الرسالة إلى العبرانيين من تعليم يستحق التنبه له على نحو خاص. قد تظهر
(٦٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 687 688 689 690 691 692 693 694 695 696 697 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة