الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٦٩٣
الرسالة إلى العبرانيين، أكثر من أي مؤلف آخر في العهد الجديد، كيف تمت في المسيح الكتب المقدسة القديمة، وهي تكشف عن مجمل العلاقات التي تحدد هذا الاكتمال المسيحي. هناك مجموعة متشابكة، لا بل غريبة لأنها تجمع بين الايجاب والنفي حتى تؤدي إلى تخط غير منتظر. وأبلغ مثال على ذلك هو ذبيحة المسيح، فإن موت المسيح على الصليب هو من جهة نفي مطلق للعبادة القديمة، ويبدو خاليا من كل صلة بتلك العبادة، لا بل تنقضها في أمور كثيرة. ولكن من تمعن في المسألة، كشف عن استمرار عميق. ففي كل من هذه الجهة وتلك يقرب إلى الله قربان يصل به الأمر إلى إراقة الدم، والهدف منه الحصول على غفران الخطايا. لكن كم للمسيح من التفوق! إن طقس ذبح الحيوانات خلفه بذل قام به شخص، فسار به إلى أقصى حد في طاعة لله تامة وفي تضامن والناس كاملة.
ولذلك أدرك مرة واحدة الهدف الذي كان ينشد في العبادة القديمة وألغيت، من جراء ذلك، جميع الطقوس السابقة.
هيهات أن يكون هذا المثل فريدا في نوعه، فإن الكاتب، من أول مؤلفه إلى آخره، يعرض بعضا على بعض المواعد وتحقيقها، والرموز القديمة واكتمالها، وهو يدأب على إبراز مختلف العلاقات التي يمتاز بها سير التدبير الإلهي. إنه يشعر شعورا مرهفا باستمرار هذا التدبير الذي يقيم وحدة بين العهدين، ولكنه لا يقل وعيا لما في الوحي الذي أتى به المسيح من جدة وبلوغ للغاية.
[الخاتمة] لا ينكر أن قراءة الرسالة إلى العبرانيين تستوجب بذل شئ من الجهد، ولكن هذا الجهد لا يلبث أن ينال جزاء حسنا. فإن القارئ يشعر بأن في هذا المؤلف رغبة شديدة في الاتصال بالله، ويكتشف تعليما بعيد الغور في وساطة المسيح وتفهما حقيقيا لمصاعب المعيشة المسيحية، حتى أنه لا يمل الرجوع إلى هذه الصفحات الغنية بفحواها. لا شك أن ما تزود به عصرنا هو ثمين أكثر منه في أي وقت مضى. فإن الرسالة إلى العبرانيين تخاطب مسيحيين حائرين معرضين لخور العزيمة. وهي تصف الدواء الناجع لهذا النوع من الداء، فليس ذلك الدواء إرشادات مبهمة تدعو إلى الفضيلة، بل جهد طيب يبذل للغوص في الإيمان الذي أتى به المسيح.
(٦٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 688 689 690 691 692 693 694 695 696 697 698 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة