شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق (ص) - الشيخ يوسف بن اسماعيل النبهاني - الصفحة ١٨٥
الثاني أقرب إلى الصواب لأن تحريم ما أجمع العلماء فيه بالاستحباب يكون كفرا لأنه فوق تحريم المباح المتفق عليه في هذا الباب انتهت عبارته.
ومنهم شهاب الدين الخفاجي الحنفي. قال رحمه الله تعالى في شرح الشفاء بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم " لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ": واعلم أن هذا الحديث هو الذي دعا ابن تيمية ومن تبعه كابن القيم إلى مقالته الشنيعة التي كفروه بها، وصنف فيها السبكي مصنفا مستقلا، وهي منعه من زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وشد الرحال إليه، وهو كما قيل.
لمهبط الوحي حقا ترحل النجب * وعند ذاك المرجى ينتهى الطلب فتوهم أنه حمى جانب التوحيد بخرافات لا ينبغي ذكرها، فإنها لا تصدر عن عاقل فضلا عن فاضل سامحه الله تعالى، انتهت عبارة الشهاب الخفاجي، وفسر الحديث المذكور يأن القوم الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد: أي يسجدون إليها كما يسجدون للأوثان، وذكر رواية أخرى مصرحة بأولئك القوم، وهي قوله صلى الله عليه وسلم " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " وأنت على علم من أنه لا أحد من الزائرين يسجد لقبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك ممنوع قطعا بالاتفاق لهذا الحديث وغيره.
وقال أيضا في موضع آخر من شرح الشفاء: روى القاضي عياض بسنده إلى ابن حميد أحد رواة مالك، قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله أدب قوما، فقال (لا ترفعوا أصواتكم) ومدح قوما، فقال (الذين يغضون أصواتهم) وذم قوما، فقال (إن الذين ينادونك) وإن حرمته صلى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا، فاستكان لها أبو جعفر وقال: يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه الصلاة والسلام إلى الله تعالى يوم القيامة، بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله.
قال الشهاب الخفاجي، وفي هذا رد على ما قاله ابن تيمية من أن استقبال القبر الشريف في الدعاء عند الزيارة أمر منكر لم يقل به أحد ولم يرو إلا في حكاية مفتراة على الإمام مالك: يعني هذه القصة التي أوردها المصنف القاضي عياض رحمه الله تعالى هنا، ولله دره حيث أوردها بسند صحيح، وذكر أنه تلقاها عن عدة من ثقات مشايخه، فقوله أي ابن
(١٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»