النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادى عشر - العلامة الحلي - الصفحة ٥٣
لأن الباري تعالى متصف بكماله اللائق به لاستحالة النقص عليه، ومع ذلك فهو مدرك لذاته وكماله، فيكون أجل مدرك لأعظم مدرك بأتم إدراك ولا نعني باللذة إلا ذلك.
وأما المتكلمون فقد أطلقوا القول بنفي اللذة، إما لاعتقادهم نفي اللذات العقلية، أو لعدم ورود ذلك في الشرع الشريف، فإن صفاته تعالى وأسماءه توقيفية، لا يجوز لغيره التهجم بها إلا بإذن منه لأنه وإن كان جائزا في نظر العقل لكنه ليس من الأدب لجواز أن يكون غير جائز من جهة لا نعلمها.
قال: (ولا يتحد بغيره لامتناع الاتحاد مطلقا).
أقول: الاتحاد يقال على معنيين: مجازي وحقيقي.
أما المجازي: فهو صيرورة الشئ شيئا آخر بالكون، والفساد، أما من غير إضافة شئ آخر كقولهم: [كما يقال]، صار الماء هواء وصار الهواء ماء، أو مع إضافة شئ آخر كما يقال: صار التراب طينا بانضياف الماء إليه.
وأما الحقيقي: فهو صيرورة الشيئين الموجودين شيئا واحدا موجودا.
إذا تقرر هذا فاعلم أن الأول مستحيل عليه تعالى قطعا، لاستحالة الكون والفساد عليه.
وأما الثاني فقد قال بعض النصارى: إنه اتحد بالمسيح فإنهم، قالوا:
اتحدت لاهوتية الباري مع ناسوتية عيسى (عليه السلام)، وقالت النصيرية: أنه اتحد بعلي (عليه السلام) وقال المتصوفة (1): إنه اتحد بالعارفين.

(1) روى الشيخ السعيد محمد بن محمد بن النعمان [أي الشيخ المفيد] بإسناده إلى محمد بن الحسين بن أبي الخطاب أنه قال قد كنت مع الهادي علي بن محمد عليهما الصلاة والسلام في مسجد النبي (ص) فأتاه جماعة من أصحابه منهم أبو هاشم الجعفري وكان رجلا بليغا وكان له منزلة عظيمة عنده (عليه السلام) ثم دخل المسجد جماعة من الصوفية وجلسوا في جانب مستدير وأخذوا بالتهليل فقال (عليه السلام) لا تلتفتوا لهؤلاء الخداعين فإنهم خلفاء [خلفاء خ. ل] الشياطين ومخربوا قواعد الدين يتزهدون لراحة الأجسام ويتهجدون لصيد [لتصييد خ ل] الأنعام، لا يهللون إلا لغرور الناس ولا يقللون الغذاء إلا لملأ النسناس [العساس خ ل] واختلاس قلب الدفناس [الأنفاس خ ل] أورادهم الرقص والتصدية وأذكارهم الترنم والتغنية فلا يتبعهم إلا السفهاء ولا يعتقد بهم إلا الحمقاء فمن ذهب إلى زيارة أحدهم [فكأنما ذهب إلى زيارة الشيطان] ومن أعان أحدا منهم فكأنما أعان يزيد ومعاوية وأبا سفيان، فقال رجل من أصحابه وإن كان معترفا بحقوقكم قال فنظر إليه شبه المغضب وقال دع ذا عنك من اعترف بحقوقنا لم يذهب في عقوقنا أما ترى أنهم أحسن طوائف الصوفية، والصوفية كلهم مخالفونا وطريقتهم مغايرة لطريقتنا وإن هم إلا نصارى ومجوس هذه الأمة أولئك الذين يجهدون في إطفاء نور الله والله متم نوره ولو كره الكافرون (س ط) رواه باختلاف الشيخ القمي في سفينة البحار (2 / 58) مادة صوف.
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»
الفهرست