مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ١٦٤
يحصل به تعظيم هذا الشهر أو غيره من العناوين المتوقفة على ايقاعه بعنوان كونه من رمضان لا يكفي في لزوم ايقاعه بهذا الوجه كما يتضح ذلك بمراجعة ما حققناه في نية الوضوء حيث بينا هناك ان المرجع لدى الشك في اعتبار شئ من مثل هذه التفاصيل في صحة العبادة هو البراءة نعم لو قلنا بقاعدة الاشتغال اما في مطلق الشك في الشرطية أو في خصوص ما كان من هذا القبيل مما يكون راجعا إلى كيفية الإطاعة اتجه القول باعتبار التعيين وعدم كفاية قصد القربة كما حكاه في الذخيرة عن بعض ولكن المبنى ضعيف فالمتجه ما عرفت خصوصا مع ما عرفت من أنه قد يقال بأنه نوع من التعيين وان لا يخلو ذلك عن تأمل فليتأمل وهل يكفي ذلك في النذر المعين قيل كما عن المرتضى وابن إدريس نعم وعن الفاضل في المنتهى تقويته واعتمد عليه في المدارك لأنه زمان تعين بالنذر للصوم فكان كشهر رمضان واختلافهما بأصالة التعين وعرضيته لا يقتضى باختلافهما في هذا الحكم ولكنك عرفت ضعف هذا الدليل وان تعينه بالأصالة فضلا عن كونه بالعرض لا يغنى عن تعيينه بالقصد ولذا لا يكفي قصد القربة في صلاة الفريضة في وقتها المختص وان قلنا بأنه لا يصح فيه غيرها مطلقا اللهم الا ان يقال برجوعه إلى قصد التعيين كما قيل بذلك في رمضان وهو لا يخلو عن تأمل وقيل لا وهو الأشبه لأنا لو سلمنا ان العزم على أن يصوم غدا قربة إلى الله مرجعه لدى التحليل إلى العزم على ايجاد القسم الخاص الذي يصح التقرب به فإنما يجدى ذلك في مثل شهر رمضان الذي يتعين فيه صومه ولا يقع فيه صوم اخر واما في النذر المعين فالزمان في حد ذاته صالح لسائر انحاء الصوم فلو غفل عن نذره ونوى قسما آخر من الصوم فلا مانع عن صحته بل قد يقال بذلك مع العمد أيضا وان اثم بمخالفته النذر وهو وان لا يخلو عن تأمل ولكنه لا تأمل في صحته مع الغفلة عن النذر لان تعلق النذر بصوم ذلك اليوم لا يصلح مانعا عن صحة صوم تطوعا أو نيابة عن ميت أو نحو ذلك لدى الغفلة عن نذره كما تقرر في محله فلا ينحصر الصوم المقرب بالنسبة إليه في خصوص صوم النذر نعم لو قيل بأنه لا يصح منه صوم اخر أصلا ولو مع الغفلة عن نذره اتجه دعوى رجوعه إلى قصد التعيين ولكن المبنى ضعيف مع ما في أصل الدعوى من التأمل كما تقدمت الإشارة إليه ولا بد فيما عداهما أي ما عدى شهر رمضان والنذر المعين من نية التعيين وهو القصد إلى الصوم المخصوص كالقضاء والكفارة والنافلة والنذر ونحوه بلا خلاف فيه كما ادعاه بعض وعن المعتبر ان على ذلك فتوى الأصحاب وعن السرائر دعوى الاجماع عليه صريحا فلو اقتصر على نية القربة وذهل عن تعينيه لم يصح لأنه فعل مشترك صالح لأن يقع على وجوه فلا ينصرف إلى شئ منها ما لم يعينه بالقصد ولا امر بالصوم المطلق حتى يقع امتثالا له وعن الشهيد في البيان الخلاف في الندب المعين كأيام البيض فالحقه بالواجب المعين في عدم افتقاره إلى التعيين بل حكى عنه ثاني الشهيدين في الروضة انه الحق به في بعض تحقيقاته مطلق المندوب لتعينه شرعا في جميع الأيام الا ما استثنى فيكفي فيه نية القربة واستحسنه هو وتبعه في الذخيرة وفي المدارك بعد نقل ذلك عن الشهيدين قال ولا باس به خصوصا مع براءة ذمة المكلف من الصوم الواجب أقول قد عرفت انفا ان ما نسب إلى المشهور هو الذي يقتضيه التحقيق ان بنينا على أن صوم التطوع كصوم الكفارة والنذر وغيره قسم خاص من الصوم وليس جنس الصوم من حيث هو متعلقا الامر شرعي بل هو قدر مشترك بين الأنواع المطلوبة شرعا واما على ما اخترناه من أن طبيعة الصوم من حيث هي لا بوصف زائد عليها هي التي أوجبها الشارع في شهر رمضان وندبها في سائر الأيام عدى الأوقات التي حرم صومها وان للصوم من حيث هو أحكاما مختلفة باختلاف أزمنة وقوعه وله احكام أخر متعلقة به لا من حيث هو بل باعتبارات اخر خارجة عن حقيقته كوقوعه نيابة عن ميت أو كفارة أو وفاء بالنذر وشبهه فالمتجه ما ذكره الشهيد في بعض تحقيقاته كما تقدمت الإشارة إليه وسيأتي لذلك مزيد توضيح في مسألة الصوم تطوعا لمن عليه القضاء ولا بد من حضورها أي النية عند أول جزء من الصوم أو تبييتها مستمرا على حكمها كغيره من العبادات المشروطة بالنية حيث يعتبر في صحتها حصولها بجملتها من أولها إلى اخرها بقصد الإطاعة فلا بد فيه وفي غيره مما يعتبر فيه حصوله بعنوان الإطاعة من إرادة تفصيلية ناشئة من تصور الفعل وغايته باعثة له على اختياره بهذا العنوان مقارنة الأول زمان الاخذ فيه أو متقدمة عليه بشرط بقاء حكمها أي باعثيتها على اختيار الفعل لغايته المتصورة وقد أشرنا في صدر المبحث إلى أن بقاء اثرها فيما لو كان المنوي فعلا وجوديا يتوقف على بقاء مرتبة من مراتبها في النفس بنحو من الاجمال صالحة لبعث الفاعل على اختياره وهذا هو الذي نسميه بالداعي واما في الصوم ونحوه مما كان المنوي ترك فعل فلا حاجة إلى ذلك بل يكفي بقائها في النفس شانا بحيث مهما عرضها الالتفات التفصيلي وجدتها باقية غير مرتدعة عنها فلا ينافيه عروض الغفلة والنوم بل ربما كان من مقتضياته كما أوضحناه فيما سبق ونبهنا فيما تقدم على أنه ليس للنية زمان شرعي كي نتكلم في وقتها بل على تحققها قبل الفعل واستمرار حكمها إلى أن يتحقق الفراغ من الفعل كما حققناه في نية الوضوء خلافا لظاهر كلمات أكثر القدماء بل المشهور ان لم يكن مجمعا عليه ففيما بينهم حيث إنهم اعتبروا في سائر العبادات كونها صادرة عن نية تفصيلية مقارنة لأول اجزائها عدى الصوم فلم يعتبروا فيه هذا الشرط لكونه بالنسبة إلى الصوم مخالفا للضرورة فضلا عن منافاته لقاعدة نفى الحرج فان تحصيل المقارنة غالبا اما متعذرا ومتعسر فأجاز واتبيتها في أي جزء من الليل مستمرا على حكمها من باب التوسعة والتسهيل على ما يقتضيه القاعدة في باب العبادات من اشتراط المقارنة وحكى عن بعض العامة تخصيصها بالنصف الأخير فكان محط نظره كون جواز التقديم لمكان الحرج والضرورة وهى تقدر بقدرها وهو بناء على كون الحكم مخالفا للأصل لا يخلو عن وجه لولا قضاء ضرورة الشرع بجواز النوم م أول الليل إلى طلوع فجر اليوم الذي وجب صومه من رمضان أو غيره وكيف كان فالحق ما عرفت من أنه ليس للنية في شئ من العبادات فضلا عن الصوم محل شرعي تعبدي بل محلها عقلا قبل الفعل بشرط تأثيرها في وقوعه منويا فعلى هذا
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»