مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ١٦٨
الاكل ونحوه من الصبح إلى الليل الذي هو معنى الصوم فهو امر عدمي وليس له حقيقة متأصلة ولا اجزاء حقيقة حتى يتوقف اختياريته على اختيارية أجزاه وانما يتصف بالاختيارية والمقدورية المصححة لتعلق التكليف به ايجابا أو تحريما تبعا لمقدورية ما أضيف إليه هذا العدم فإذا كان المكلف قادرا على ايجاد مسمى الاكل في يوم الجمعة مثلا ولو في جزء منه صح ان يتعلق به التكليف فعلا أو تركا فإذا تعلق التكليف بفعله يصير فعله واجبا موسعا من أول الصبح إلى الغروب ونقيضه وهو تركه في مجموع هذه المدة حراما معينا واما تركه في بعض هذه المدة أي بعض فرض فهو من حيث هو ليس بحرام سواء كان في أول اليوم أواخره ولكن إذا انحصر القدرة على أداء الواجب في زمان خاص من ذلك اليوم كان غفل عنه الا في آخر الوقت أو لم يتمكن من فعله مثلا الا في أول الزوال وتركه في ذلك الوقت عمدا مع علمه بعدم قدرته عليه الا في هذا الوقت فقد تحقق موضوع الحرام وهو الترك في مجموع هذا اليوم متصفا بالاختيار والا لقبح العقاب عليه فكما ان الترك في اخر أزمنة القدرة على الفعل يجعل الترك في مجموع اليوم اختياريا موجبا لاستحقاق العقاب عليه على تقدير حرمته فكذلك يجعله اختياريا موجبا لاستحقاق الثواب عليه على تقدير وجوبه حصوله بقصد إطاعة الامر بتركه في هذا اليوم فلا حظ وتدبر فإنه لا يخلو عن دقة وكفاك شاهدا للفرق بين الصوم وغيره من العبادات انه لا يتوهم أحد صحة ساير العبادات الوجودية عند صدور بعضها بلا شعور وقصد بخلاف الصوم فلو قيل للعامي في يوم الغدير مثلا بعد ارتفاع النهار ان لصوم هذا اليوم كذا وكذا من الاجر ولم يكن قد تناول مفطرا إلى ذلك الوقت يقع في ذهنه لا محالة احتمال جواز تجديد نيته من ذلك الحين فيسئل عن حكمه ولذا كثر السؤال عن مثله في الاخبار ولم يرد بمثل ذلك في ساير العبادات وكيف كان فلا يهمنا ابداء الفارق بين الصوم وغيره بعد حرمة القياس وعدم قيام دليل يعتد به على توقف مهية الصوم على أزيد من القصد المزبور والمرجع في مثله البراءة عن الكلفة الزائد كما حققناه في محله وقدمنا شطرا وافيا لبيانه في نية الوضوء من كتاب الطهارة واما ما دل على أنه لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل فمخصوص بالواجب المعين للعامد نصا واجماعا كما عرفت فمقتضى الأصل فيما عداه امتداد وقت نيته إلى الغروب ولكن الزمنا بعدم جواز تأخيرها عن الزوال في الصوم الواجب لموثقة عمار وغيرها مما عرفت فليتأمل وقيل يختص رمضان بجواز تقديم نيته عليه ولو سهى عند دخوله فصام كانت النية الأولى كافية حكى هذا القول عن الشيخ في خلاف والنهاية والمبسوط وقد عرفت في المبحث السابق صحة هذا القول و عدم اختصاصه برمضان ولعل ما في كلام الشيخ من تخصيصه برمضان للجرى مجرى العادة من عدم حصول العزم على سبيل الجزم فيما عداه غالبا قبل حضوره وقته بأيام مع استدامة حكمه على الوجه الذي عرفت اعتباره في تأثير النية السابقة في استناد الفعل إليها واتصافه بوقوعه عن قصد بخلاف صوم رمضان فان كل مكلف لدى الالتفات إلى قرب الشهر ما لم يضمر في نفسه المعصية ينوى صومه ويشتغل بتهية مقدماته ويبقى هذه النية مغروسة في نفسه حقيقة أو حكما إلى حين حضوره وقد عرفت انه لا يشترط في صحة العبادة أزيد من ذلك وانه ليس للإرادة التفصيلية التي يتوقف عليها صحة العبادة واتصافها بحصولها عن نية زمان موقت شرعي فليس جواز تقديم النية في الصوم بهذا المعنى الذي هو محل الكلام مخالفا للأصل فالتفكيك حينئذ بين الجزء الأول من الليل والجزء الآخر من اليوم السابق المتصل بهذا الجزء فاسد نعم يتجه هذا التفصيل لدى القائلين باشتراط صحة العبادات بمقارنة هذه الإرادة التفصيلي التي هي شرط عقلي لوقوع الفعل بداعي التقرب لأول زمان التلبس بالفعل وان جواز التقديم في الصوم على خلاف الأصل فيقتصر فيه على مورد الثبوت ولكنك عرفت فساد المبنى كما انك عرفت وجه ما فرعه الشيخ على مختاره من الصحة على تقدير السهو والغفلة عن تجديها في الليل لا مطلقا حيث قال في ما حكى عن مبسوطه ما لفظه نية القربة يجوز ان يكون متقدمة فإذا كان من نيته صوم الشهر إذا حضر ثم دخل عليه الشهر ولم يجددها لسهو لحقه أو اغماء كان صومه صحيحا فإن كان ذاكرا فلا بد من تجديدها انتهى حيث ظهر لك ان شرط تأثير النية السابقة في صحة العمل اللاحق واتصافه بوقوعه منويا استدامتها حكما ولا تكون كذلك الا إذا كانت مغروسة في النفس على وجه لو التفت المكلف تفصيلا إلى الفعل الذي نواه لوجد نفسه عازمة عليه وليس المراد بتجديدها الا هذا المعنى لا التكيف في احضار صورتها مفصلة في الذهن وكيف كان فالنية السابقة إذا كانت كذلك فيه مجزية في صحة الصوم سواء كانت في الليل أو قبلها وان لم تكن كذلك فهي غير مجدية مطلقا ولو كانت حاصلة في الليل بل متصلة بالفجر ما لم تبق بهذه الصفة إلى الغروب وكذا يظهر بالتدبر فيما أسلفناه صحة ما قيل من أنه يجزى نية واحدة لصيام الشهر كله كما عن الشيخ والسيد وأبى الصلاح وسلار وابن إدريس وغيرهم بل عن المنتهى نسبته إلى الأصحاب من غير نقل خلاف فيه وربما تكلف بعض في توجيهه بجعل صوم الشهر كله بمنزلة عبادة واحدة ذي اجزاء فالنية الحاصلة في أول الشهر المتعلقة بالمجموع بمنزلة نية الصلاة المتعلقة باجزائها ولا يخفى ما فيه وكان مثل هذه التوجيهات والتكلفات صدرت من القائلين بالاخطار واما على القول بكفاية الداعي الذي مرجعه إلى ما حققناه فيما سبق فلا وقع لمثل هذه الكلمات والتعرض لمثل هذه الشرائط إذ العبرة في صحة العبادة حينئذ باقترانها بالداعي المغروس في النفس حال الفعل حقيقة أو حكما بحيث يصح استناد الفعل إلى اختيار المكلف بعنوان الإطاعة لا بالإرادة التفصيلية الحاصلة قبله القابلة لأن يقع النزاع في وقتها التي هي شرط عقل لايقاع الفعل بهذا العنوان وقد أشرنا فيما سبق إلى الفرق بين الصوم وغيره من العبادات المطلوب بها الفعل من أنه يعتبر في سائر العبادات وجود الداعي الذي هو اثر تلك الإرادة التفصيلية الباعثة على اختيار الفعل في وقته فعلا ويكفى في الصوم بقائه في النفس شأنا بحيث لا ينافيه الغفلة والنوم فلا تغفل ولا يقع في شهر رمضان صوم غيره واجبا كان أو مندوبا من المكلف بصومه وغيره كمسافر
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»