مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ١٧٣
الاخبار التي قد يغلب على الظن كونها مشوبة بالتقية في مقابل الأخبار المستفيضة الامرة بصوم يوم الشك التي لا ينسبق إلى الذهن منها الا إرادة اختياره لغايته المرسوخة في النفس الباعثة له على اختيار الفعل وهو قصد إطاعة امره الواقع المعلوم عنده بين كونه استحبابيا لكون اليوم من شعبان أو وجوبيا لكونه من رمضان أو بداعي الاحتياط في صوم رمضان بعد تسليم ظهورها في ذلك في غاية الاشكال خصوصا بعد البناء على ما قويناه من أن الأشبه بالقواعد عدم اعتبار شئ في مهية صوم رمضان عدى قصد القربة وهى حاصلة في جميع هذه الفروض وانما التزمنا بالبطلان فيما لو صام يوم الشك على أنه من رمضان تعبدا بالاخبار الناهية عنه كما عرفت بل ربما يؤيد ذلك ما في نفس تلك الأخبار من تعليل المنع عن ايقاعه بهذا الوجه بأنه قد نهى الرجل ان ينفرد بصيامه فإنه يدل على أنه لولا هذه الجهة لكان مقتضى الأصل صحته ومن هنا قد يتخيل ان النهى عنه لهذه الجهة غير مقتضية لفساده لكونها جهة عارضية خارجة عن حقيقة المأمور ولكن يدفعه ان المقصود بذلك هو النهى عن ايقاعه على هذا الوجه في اليوم الذي لا يلتزم فيه سائر الناس بصومه على أنه من رمضان فتلك الجهة العارضة من عوارضه المشخصة المتحدة معه وجودا فيمتنع استقلالها بالحرمة كما هو واضح نعم لا يبعد ان يدعى ان المنساق إلى الذهن من هذا النوع من النواهي في اخبار أهل البيت عليهم السلام مع ما فيها من التعليل المناسب للكراهة انما هو إرادة الكراهة وهى غير مقتضية لبطلان العبادة كما تقرر ذلك في العبادات المكروهة كالوضوء بالماء المسخن بالشمس ونحوه فالانصاف ان الجزم ببطلان الصوم في هذه الصورة أيضا لا يخلو عن اشكال والله العالم وقد ظهر بما قررناه انه لو صام يوم الشك على أنه ان كان من رمضان كان واجبا والا كان مندوبا ان الأصح هو ما قيل من أنه يصح صومه ويجزى عن رمضان إذا انكشف انه منه كما نقل عن الشيخ في الخلاف والمبسوط والعماني وابن حمزة والفاضل في المختلف والشهيد في جملة من كتبه لما أشرنا إليه من أن هذا هو وجهه الواقعي الذي يبعث المكلف غالبا على اختيار صوم هذا اليوم متقربا بإطاعة امره الواقعي المعين عند الله المردد عنده بين الامرين فيمتنع ان لا يكون مجزيا وما يقال من أن حقيقة صوم رمضان تغاير حقيقة الصوم المندوب كما يكشف عن ذلك اختلاف احكامهما فإذا لم يعين حقيقة أحدهما في النية التي حقيقتها استحضار حقيقة الفعل المأمور به لم يقع عن أحدهما مدفوع بان ما نحن فيه ليس من قبيل تعلق القصد بجنس العبادة ناويا به وقوعه امتثالا لشئ من الأوامر المتعلقة بأنواعه على سبيل الترديد كي ينافيه اعتبار استحضار حقيقة الفعل المأمور به في القصد إذا القصد متعلق بصوم هذا اليوم الذي هو فرد من أحد النوعين الذين تعلق بأحدهما امر وجوبي وبالاخر ندبي فهو كما لو امره باكرام كل عالم دخل داره وجوبا وكل شاعر ندبا فدخل داره شخص علم اجمالا بأنه اما عالم أو شاعر فأكرمه قاصدا به إطاعة امره الواقعي المردد عنده بين الامرين كما هو واضح وقد ظهر بذلك ضعف ما قيل بل لعله المشهور من أنه لا يجزى وعليه الإعادة ولكن لو اعتبرنا معرفة الوجه لدى التمكن منه ولو بطريق ظاهري كان هذا هو الأشبه ولكنك قد عرفت في ملحه انه خلاف التحقيق ولو أصبح في يوم الشك بنية الافطار ثم بان انه من الشهر جدد النية فيما بينه وبين الزوال إذا كان لم يفعل ما يقتضى الافطار واجتزى به كما تقدم تحقيقه في صدر الكتاب فإن كان ذلك بعد الزوال امسك وجوبا بقية النهار وعليه القضاء اما وجوب القضاء فلفوات الصوم كما صرح به شيخنا المرتضى (ره) ثم قال وأما وجوب الامساك فهو المشهور بل عن الخلاف الاجماع عليه وعن المنتهى والتذكرة نسبة الخلاف إلى عطاء واحمد وانه لم يقل به غيرهما ولم أجد عليه دليلا ظاهرا والتمسك بقاعدة الميسور لا يخفى ما فيه انتهى أقول ويمكن الاستدلال له بفحوى ما روى أن ليله الشك أصبح الناس فجاء اعرابي فشهد برؤية الهلال فامر النبي صلى الله عليه وآله مناديا ينادى كل من لم يأكل فليصم ومن اكل فليمسك المنجبر ضعفه بما عرفت وباشتهاره في حد ذاته بين الأصحاب واعتمادهم عليه في كتبهم الاستدلالية فليتأمل وفي المسالك قال في شرح العبارة الامساك هنا على سبيل الوجوب ويجب فيه النية ولو أفطره وجب عليه الكفارة إذ لا منافاة بين وجوبها وعدم صحة الصوم بمعنى اسقاطه القضاء انتهى أقول لا يبعد ان يكون هذه الأحكام بأسرها لديه مبنية على ما اختاره في مسألة ما لو جدد النية في أثناء النهار وحيث اختار في تلك المسألة انه لو جددها قبل الزوال حكم له بالصوم الصحيح المثاب عليه من أول النهار ولو جددها بعد الزوال حكم له بالصوم الصحيح الشرعي المثاب عليه من الوقت الذي نواه ولم يفرق في ذلك بين الواجب والمندوب فيدل حينئذ على وجوبه وعلى وجوب القصد معه والكفارة بافطاره الأدلة الدالة عليها في صيام شهر رمضان وانصراف أدلة الوجوب أو الكفارة عن صوم بعض اليوم بعد فرض كونه صوما شرعيا ان سلم فبدوى غير مضر ولكن لا يسقط به القضاء لان القضاء وجب على ترك صومه في مجموع اليوم على ما هو المتبادر من أدلته فلا منافاة بينه وبين صحة صومه في بعض اليوم وترتب سائر احكامه عليه ولكنك عرفت فيما سبق ضعف المبنى فيشكل حينئذ الالتزام بوجوب القصد معه الا ان نلتزم بان الأصل في الواجب كونه تبعديا الا ان يدل دليل على خلافه وهو خلاف التحقيق واشكل منه الالتزام بوجوب الكفارة بافطاره الا ان نقول بأنه من آثار إيجاد ذات المفطرات على وجه غير سائغ وان لم يتحقق الافطار بها بالفعل وهو لا يخلو عن تأمل وسيأتي تحقيقه في مسألة انه هل تتكرر الكفارة بتكرر أسبابها في يوم واحد انشاء الله فروع ثلاثة الأول لو نوى الافطار في يوم من شهر رمضان عصيانا ثم تاب وجدد النية قبل الزوال قيل لا ينعقد وعليه القضاء بل في المدارك القول بعدم الانعقاد ووجوب القضاء هو المعروف من مذهب الأصحاب حتى أن العلامة (ره) في المنتهى لم ينقل فيه خلافا ولكن يظهر مما حققناه عند التكلم في مقدار امتداد وقت النية انه لو قيل بانعقاد كان أشبه بالقواعد لولا الدليل على اعتبار تبيت النية ولكنك عرفت وجود الدليل عليه في العامد فلا يتجه حينئذ هذا القول الا على تقدير كون العزم على الافطار لعذر من نسيان أو مرض أو سفر ونحوه أو حصل له هذه النية في أثناء النهار مع كونها مسبوقة بالعزم على الصوم من الليل ولكن الفرض الثاني يندرج في موضوع المسألة الآتية والأول بحسب الظاهر خلاف ما هو المفروض موضوعا في هذه المسألة التي نسب إلى المشهور القول بعدم الانعقاد بل لم ينقل الخلاف فيه صريحا عن أحد
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»