مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ١٠٧
المسوقة لبيان مصرفها التي يجب الاقتصار في تقييدها على القدر الثابت من اختصاصها باهل الولاية ويؤيدها الروايات الواردة في حكمة شرع الزكاة وانها وضعت لسد خلة الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وغيرهم من ذوي الحاجات على وجه لو لم يكن تقصير في أدائها لاستغنى الجميع بها ومن الواضح انه لو كانت العدالة شرطا في المستحق لتعذر غالبا على أبناء السبيل في مقام الحاجة اثباتها مع أن الغالب فيهم بل في مطلق الفقراء والمساكين عدم اتصافهم بالعدالة إذ الفقر كاد يكون كفرا الا ترى ان الغالب فيهم من يا مرك بالصدقات فان أعطوا منها رضوا وان لم يعطوا منها إذا هم يسخطون والحاصل انه لو كانت العدالة شرطا في الاستحقاق للزم منه حرمان جل أبناء السبيل ومعظم الفقراء عن ذلك وهو مناف لأدلة شرع الزكاة وربما يشهد له أيضا شواهد ومؤيدات مما لا حاجة إلى استقصائها احتج السيد (ره) لما ذهب إليه من القول بالاشتراط على ما نقل عنه اجماع الطائفة والاحتياط وكل ظاهر من سنة أو قران تضمن المنع عن معونة الفاسق والجواب اما عن الاجماع فبعدم تحققه وعدم الاعتناء بنقله خصوصا مع معروفية الخلاف من عظماء الأصحاب واما الاحتياط فليس بدليل شرعي في مقابل اطلاق ألفاظ الكتاب والسنة واما الظواهر المتضمنة للنهي عن معونة الفاسق أو الظالم فهي لا تدل الا على المنع عن معونته في فسقه وظلمه ولو فرض ظهور شئ منها في إرادة الاطلاق أو صراحته في ذلك لتعين طرحه أو تأويله بما يرجع إلى ذلك لقضاء الضرورة بجواز إعانة الظالم على فعل المباحات فضلا عن اعانته على أداء الواجبات وفعل المستحبات كوفاء ديونه والانفاق على زوجته وأقاربه وغير ذلك مما يعد الإعانة عليه إعانة على البر والتقوى من غير فرق في ذلك بين ان يكون ذلك بصرف المال إليه وبين ساير المقدمات التي يستعين بها على قضاء حوائجه الضرورية وانما المرجوح اعانته فيما يعود إلى جهة ظلمه وفسقه نعم إذا كان من شانه الاقتحام في المعاصي قد تكون التوسعة عليه موجبا لصرف ما زاد عن نفقته في المعصية فيكون حينئذ من قبيل بيع العنب ممن يعلم أو يظن بأنه يعمله خمرا فيكون الدفع إليه حينئذ زائدا عن مقدار حاجته الفعلية مرجوحا كما أشير إلى ذلك في خبر بشر بن بشار المروي في العلل قال قلت للرجل يعني أبا الحسن عليه السلام ما حد المؤمن الذي يعطى من الزكاة قال يعطى المؤمن ثلاثة آلاف ثم قال أو عشرة آلاف ويعطى الفاجر بقدر لان المؤمن ينفقها في طاعة الله والفاجر في معصية الله وهذه الرواية كما تراها نص في عدم كون الفسق من حيث هو مانعا عن الاستحقاق وظاهرها حرمة اعطاء الزيادة على ما يحتاج إليه في حوائجه اللازمة لا لأجل كونه فاسقا من حيث هو بل لأجل انه يصرفها في المعصية وقضية تعليل الرخصة في اعطاء المؤمن ثلاثة آلاف أو عشرة آلاف بأنه ينفقها في طاعة الله والمنع من اعطاء الفاجر هذا المقدار بأنه ينفقها في معصية الله ينعكس الامر فيما لو علم من باب الاتفاق بان هذا الفاسق لو دفع إليه عشرة آلاف يصرفها في حوائجه الضرورية وساير وجوه الطاعات من إعانة الفقراء والمساكين ومواصلة أرحامه والحج والزيارات إذ رب فاجر من أعوان الظلمة وغير هم له شدة اهتمام بمثل هذه الخيرات بل قد يكون تقحمه في الفسق والفجور مسببا عن فقره بحيث لو تكفل واحد بمعاشه لكان من أشد الناس مواظبة على الطاعات وان هذا المؤمن الثقة العدل لو صرف إليه هذا المبلغ الخطير يصرفه إلى السلطان الجائر مثلا لتحصيل جاه أو وظيفة أو رياسة كمنصب الإمامة والقضاء أو نحو هما إذ لا يشترط في العدالة ملكة العصمة فكثيرا ما يصدر عنه مثل هذه الأمور وملخص الكلام انه يستفاد من هذه الرواية بمقتضى التعليل الوارد فيها انه لا يجوز دفع الزكاة إلى من يصرفها في المعصية مطلقا سواء كان المدفوع إليه فاجرا أم عادلا وهذا مما لا ينبغي الارتياب فيه ولو مع قطع النظر عن هذه الرواية لأولويته بعدم الجواز من الغارم في معصية الله والعاصي بسفره جزما مع ما فيه من الإعانة على الاثم فاطلاق الرخصة في الرواية في اعطاء العشرة آلاف للمؤمن والمنع عن اعطاء الفاسق زائدا عن مقدار الضرورة جار مجرى العادة من الوثوق بالنظر إلى حال الفاسق وشأنه بأنه يصرفه في المعصية بخلاف العادل واستدل للقول باعتبار مجانبة الكبائر بخبر داود الصير في المروي عن الكافي قال سئلته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا قال لا بدعوى عدم القول بالفصل بينه وبين غيره من الكبائر وأجيب عنه بضعف الرواية بالاضمار وجهالة حال السائل مع أن المنساق من اطلاق شارب الخمر المدمن في شربها لا مطلق من شربها فلعل الوجه في المنع عن اعطائه شهادة حاله بأنه يصرفه في المعصية مع أن عدم القول بالفصل بينه وبين كل من يرتكب كبيرة غير معلوم بل قد يستشعر من العبارة المحكية عن الإسكافي الذي نسب إليه هذا القول انه لا يقول بالمنع من اعطاء كل من ارتكب كبيرة بل كل من يدوام على ارتكاب كبيرة بحيث يطلق عليه في العرف شارب الخمر والزاني والسارق والفاجر ونحوها فإنه قال على ما حكى عنه ولا تعطى شارب الخمر ولا المقيم على كبيرة فعلى هذا يمكن الاستشهاد له بالنسبة إلى شارب الخمر بالرواية المزبورة وبالنسبة إلى ما عداه ببعض الوجوه الاعتبارية الغير الخالية من المناقشة خصوصا في مقابل اطلاقات الكتاب والسنة وقد تلخص مما ذكر ان القول بعدم اشتراط شئ منهما في استحقاق الزكاة هو الأقوى وان كان القول الأول اي اعتبار العدالة أحوط والله العالم بحقائق احكامه الوصف الثالث هذا اخر ما صدر من المصنف قدس سره الشريف في كتاب الزكاة والحمد لله أولا واخرا قد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق الشريفة بيد أقل العباد طاهر ابن المرحوم الحاج عبد الرحمن غفر ذنوبهما سنة
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»