مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ١٠٤
جاز الدفع إليه ولو لم يضرب في الأرض بعد توبته إذ المدار في صدق كونه ابن سبيل على كونه نائيا عن أهله وما له محتاجا في الوصول إليهما إلى مؤنة سواء كان بالفعل متلبسا بقطع المسافة أم لم يكن كما هو واضح ويدفع إليه من الزكاة إذا كان غنيا في بلده قدر الكفاية اللائقة بحاله إلى بلده بعد قضاء الوطر من سفره أو يصل إلى مكان يمكنه فيه الاعتياض ونحوه مما يغنيه عن تناول الصدقات ولو فضل منه شئ ولو بالتضييق على نفسه كما نص عليه في الجواهر أعاده وفاقا للأكثر بل المشهور على ما ادعاه في الجواهر لان الصدقة لا تحل لغني وقد أبيحت لابن السبيل الذي هو غنى في بلده لمكان حاجته الفعلية العارضة له في أثناء الطريق وهي لا تقتضي أباحتها له إلا بمقدار حاجته في وقت احتياجه فلو دفع إليه أزيد من مقدار حاجته أو بمقدار حاجته ولكنه لم يصرفه في حاجته حتى وصل إلى بلده فقد صار إلى حال لا تحل الصدقة له فعليه إيصال ما بقي عنده من الصدقة إلى مستحقها وقيل لا يعيد وقد حكى هذا القول عن الشيخ في الخلاف بناء منه على أنه يملكه بالقبض فما يفضل منه بعد الوصول إلى بلده ليس إلا كما يفضل في يد الفقير من مال الصدقة بعد صيرورته غنيا وفيه أن ما يستحقه الفقير لا يتقدر بقدر فما يصل إليه من الزكاة يملكه بقبضه ملكا مستقرا وأما ابن السبيل الذي هو غني في بلده لا يستحق من الزكاة إلا نفقته إلى أن يصل إلى بلده فما يدفع إليه ملكيته مراعا بصرفه في وقت فقره وحاجته الفعلية أي قبل استيلائه على أمواله فلو فضل منه شئ عاد على ما هو عليه من كونه صدقة من غير فرق في ذلك بين النقدين وغيرهما كما صرح به في المسالك وفي الجواهر بعد أن نقل عن المسالك قال لا فرق أي في وجوب الرد بين النقدين والدابة والمتاع قال ما لفظه وكأنه أشار إلى ما عن نهاية الفاضل من أنه لا يسترد منه الدابة لأنه ملكها بالاعطاء بل عن بعض الحواشي إلحاق الثياب والآلات بها ولعل ذلك لان المزكي يملك المستحق عين ما دفعه إليه والمنافع تابعة والواجب على المستحق رد ما زاد من العين ولا زيادة في هذه الأشياء إلا في المنافع ولا أثر لها مع ملكية تمام العين اللهم إلا أن يلتزم انفساخ ملكه من العين بمجرد الاستغناء لان ملكه متزلزل فهو كالزيادة التي تجدد الاستغناء عنها إنتهى وقد أشرنا إلى أنه على تقدير كونه غنيا في بلده ليس للمزكي أن يملكه إلا متزلزلا حيث أنه لا يستحقه إلا كذلك فما ذكره في ذيل كلامه من الالتزام بانفساخ ملكه مما لا بد منه وكيف كان فالتفصيل بين النقدين وغيرهما مما لا وجه له فليتأمل القسم الثاني في أوصاف المستحقين للزكاة وهي أمور الأول الايمان يعني الاسلام مع الولاية للأئمة الاثني عشر عليهم السلام فلا يعطى الكافر بجميع أقسامه بل ولا معتقد لغير الحق من سائر فرق المسلمين بلا خلاف فيه على الظاهر بيننا والنصوص الدالة عليه فوق حد الاحصاء مثل ما عن الكليني وأبن بابويه في الصحيح عن زرارة وبكير والفضيل ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) أنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثم يتوب ويعرف هذا الامر ويحسن رأيه يعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أوليس عليه إعادة شئ من ذلك قال ليس عليه إعادة شئ من ذلك غير الزكاة لا بد أن يؤيدها لأنه وضع الزكاة في غير موضعها وإنما موضعها أهل الولاية وصحيحة بريد بن معاوية العجلي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل حج وهو لا يعرف هذا الامر إلى أن قال وقال كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلاله ثم من الله عليه وعرفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة فإنه يعيدها لأنه وضعها في غير موضعها وخبر إبراهيم الأوسي عن الرضا عليه السلام قال سمعت أبي يقول كنت عند أبي يوما فأتاه رجل فقال أني رجل من أهل الري ولي زكاة فإلى من أدفعها فقال إلينا فقال الصدقة محرمة عليكم حرام فقال بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا فقال أني لا أعرف لهذا أحدا فقال فانتظر بها سنة قال فإن لم أصب لها أحدا قال أنتظر بها سنتين حتى بلغ أربع سنين ثم قال له أن لم تصب لها أحدا فصرها صررا وأطرحها في البحر فإن الله عز وجل حرم أموالنا وأموال شيعتنا على عدونا إلى غير ذلك من الروايات التي لا حاجة إلى استقصائها ثم أن مقتضى ظاهر النصوص والفتاوى كون الايمان شرطا في الاستحقاق لا الكفر مانعا عن الدفع كي يجوز البناء على عدمه لدى الشك تعويلا على أصالة عدم حدوث ما يوجبه فلا يجوز الدفع إلى مجهول الحال ما لم يكن هناك أصل أو طريق شرعي لاثباته كادعائه أو اعترافه بالأمور المعتبرة في الايمان أو غير ذلك من الطرق المعتبرة شرعا وهل يثبت بكونه في بلد المؤمنين أو أرض يكون الغالب فيها أهل الايمان كالاسلام فيه تردد بل منع لانتفاء ما يدل على اعتبار الغلبة هاهنا وتنظيره على الاسلام قياس لا نقول به وقضية إطلاق المتن وغيره اشتراط الايمان في جميع أصناف المستحقين وفي المدارك قال في شرح العبارة بعد أن استدل له بجملة من الاخبار ما لفظه ويجب أن يستثنى من ذلك المؤلفة وبعض أفراد سبيل الله وإنما أطلق العبارة اعتمادا على الظهور وفي المسالك قال إنما يشترط الايمان في بعض الأصناف لا جميعهم فإن المؤلفة وبعض أفراد سبيل الله لا يعتبر فيهما ذلك إنتهى وكأنهما أرادا من بعض أفراد سبيل الله مثل الغازي يصح استثنائه من عبارة المتن لا المصالح التي يتعلق الصرف فيها بالجهات لا بالاشخاص كبناء المساجد والقناطر إذ لا معنى لاشتراط الايمان في ذلك كي يكون قابلا للاستثناء وربما الحق بعض مطلق سبيل الله بالمؤلفة فلم يشترط الايمان فيه أصلا والذي يقتضيه التحقيق هو أنه لا شبهة في خروج المؤلفة قلوبهم عن المستحقين الذين يشترط فيهم الايمان وقد صرح المصنف في تفسير المؤلفة قلوبهم بأنهم هو الكفار الذي يستمالون إلى الجهاد فمراده بالمستحقين هاهنا من عداهم ممن يستحق صرفها إليه لرفع حاجته وسد ختله وكذا الروايات الدالة على اشتراط الايمان لا تدل الا على اشتراطه فيمن يستحقها لحاجة والحصر الوراد فيها من أن موضعها أهل الولاية إضافي لم يقصد به الاحتراز عن المؤلفة والعاملين وغيرهم ممن يصرف إليهم لا من هذا الوجه بل المقصود بها على ما يتبادر منها بيان انحصار من يستحق صرف الزكاة في قضاء حوائجه بالمؤمنين في مقابل أرباب الحاجة من سائر الفرق وما دل على وجوب إعادة المخالف زكاته على الاطلاق معللا بأنه وضعها في غير موضعها فهو جار مجرى الغالب من صرفها إلى فقرائهم أو دفعها إلى عامل الصدقات المنصوب من قبل الجائر فكما لا يعم هذا الحكم بمقتضى هذه العلة ما لو صرفها إلى فقراء المؤمنين فكذلك بالنسبة إلى ما لو صرفها إلى سائر المصالح التي هي من مصارف الزكاة مما لا يعقل اتصافه بالايمان وملخص الكلام أن المنساق من الأخبار المانعة عن صرف الزكاة إلى غير أهل الولاية هو النهي عن صرفها في سد خلة غير الموالي مطلقا سواء كان من سهم الفقراء أو المساكين أو الغارمين أو
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»