صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ١٠
وهذا ما أطغى معاوية، وأرهف عزمه على تنفيذ خططه " الأموية ". وقد وقف الحسن والحسين من دهائه ومكره إزاء خطر فظيع، يهدد الاسلام باسم الاسلام، ويطغى على نور الحق باسم الحق، فكانا في دفع هذا الخطر، أمام أمرين لا ثالث لهما: اما المقاومة، واما المسالمة. وقد رأيا أن المقاومة في دور الحسن تؤدي لا محالة إلى فناء هذا الصف المدافع عن الدين وأهله، والهادي إلى الله عز وجل، والى صراطه المستقيم. إذ لو غامر الحسن يومئذ بنفسه وبالهاشميين وأوليائهم، فواجه بهم القوة التي لا قبل لهم بها (1) مصمما على التضحية، تصميم أخيه يوم " الطف " لانكشفت المعركة عن قتلهم جميعا، ولانتصرت " الأموية " بذلك نصرا تعجز عنه إمكانياتها، ولا تنحسر عن مثله أحلامها وأمنياتها. إذ يخلو بعدهم لها الميدان، تمعن في تيهها كل امعان، وبهذا يكون الحسن - وحاشاه - قد وقع فيما فر منه على أقبح الوجوه، ولا يكون لتضحيته أثر لدى الرأي العام الا التنديد والتفنيد (2).

(1) كما أوضحه الشيخ في كتابه هذا.
(2) لان معاوية كان يطلب الصلح ملحا على الحسن بذلك، وكان يبذل له من الشروط لله تعالى وللأمة كل ما يشاء، يناشده الله في حقن دماء أمة جده، وقد أعلن طلبه هذا فعلمه المعسكران، مع ان الغلبة كانت في جانبه لو استمر القتال، يعلم ذلك الحسن ومعاوية وجنودهما، فلو أصر الحسن - والحال هذه - على القتال، ثم كانت العاقبة عليه لعذله العاذلون وقالوا فيه ما يشاؤون.
ولو اعتذر الحسن يومئذ بأن معاوية لا يفي بشرط، ولا هو بمأمون على الدين ولا على الأمة، لما قبل العامة يومئذ عذره، إذ كانت مغرورة بمعاوية كما أوضحناه. ولم تكن الأموية يومئذ سافرة بعيوبها سفورا بينا بما يؤيد الحسن أو يخذل معاوية كما أسلفنا بيانه من اغترار الناس بمعاوية وبمكانته من أولي الامر الأولين، لكن انكشف الغطاء، في دور سيد الشهداء فكان لتضحيته عليه السلام من نصرة الحق وأوليائه آثاره الخالدة والحمد لله رب العالمين.
اقرأ فصل " سر الموقف " من هذا الكتاب.
(١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 ... » »»