صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ١٥
رأى الناس الحسن يسالم، فلا تنجيه المسالمة من خطر هذه الوحشية اللئيمة، حتى دس معاوية اليه السم فقتله بغيا وعدوانا. ورأوا الحسين يثور في حين أتيح للثورة الطريق إلى أفهامهم تتفجر فيها باليقظة والحرية، فلا تقف الوحشية الأموية بشيء عن المظالم، بل تبلغ في وحشيتها أبعد المدى.
وكان من الطبيعي أن يتحرر الرأي العام على وهج هذه النار المحرقة منطلقا إلى زوايا التاريخ وأسراره، يستنزل الأسباب من هنا وهناك بلمعان ويقظة، وسير دائب يدنيه إلى الحقيقة، حقيقة الانحراف عن آل محمد، حتى يكون أمامها وجها لوجه، يسمع همسها هناك في الصدر الأول، وهي تسار وراء الحجب والاستار، وتدبر الامر في اصطناع هذا " الداهية الظلوم الأموي " اصطناعا يطفئ نور آل محمد، أو يحول بينه وبين الأمة.
نعم أدرك الرأي العام بفضل الحسن والحسين وحكمة تدبيرهما كل خافية من أمر " الأموية " وأمور مسددي سهمها على نحو واضح.
أدرك - فيما يتصل بالأمويين - أن العلاقة بينهم وبين الاسلام انما هي علاقة عداء مستحكم، ضرورة أنه إذا كان الملك هو ما تهدف اليه الأموية، فقد بلغه معاوية، وأتاح له الحسن، فما بالها تلاحقه بالسم وأنواع الظلم والهضم، وتتقصى الأحرار الأبرار من أوليائه لتستأصل شأفتهم وتقتلع بذرتهم؟!...
وإذا كان الملك وحده هو ما تهدف اليه الأموية، فقد أزيح الحسين من الطريق، وتم ليزيد ما يريد، فما بالها لا تكف ولا ترعوي، وانما تسرف أقسى ما يكون الاسراف والاجحاف في حركة من حركات الافناء على نمط من الاستهتار، لا يعهد في تاريخ الجزارين والبرابرة؟؟..
أما ما أنتجته هذه المحاكمة لأولي الألباب، فذلك ما نترك تقديره وبيانه للعارفين بمنابع الخير، ومطالع النور في التاريخ الاسلامي، على انا فصلناه بآياته وبيناته في مقدمة " المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة "
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»