صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ١١
ومن هنا رأى الحسن عليه السلام أن يترك معاوية لطغيانه، ويمتحنه بما يصبو اليه من الملك، لكن أخذ عليه في عقد الصلح، أن لا يعدو الكتاب والسنة في شئ من سيرته وسيرة أعوانه ومقوية سلطانه، وأن لا يطلب أحدا من الشيعة بذنب أذنبه مع الأموية، وأن يكون لهم من الكرامة وسائر الحقوق ما لغيرهم من المسلمين، وأن، وأن، وأن. إلى غير ذلك من الشروط التي كان الحسن عالما بأن معاوية لا يفي له بشيء منها وأنه سيقوم بنقائضها (1).
هذا ما أعده عليه السلام لرفع الغطاء عن الوجه " الأموي " المموه، ولصهر الطلاء عن مظاهر معاوية الزائفة، ليبرز حينئذ هو وسائر أبطال " الأموية " كما هم جاهليين، لم تخفق صدورهم بروح الاسلام لحظة، ثأرين لم تنسهم مواهب الاسلام ومراحمه شيئا من أحقاد بدر واحد والأحزاب.
وبالجملة فان هذه الخطة ثورة عاصفة في سلم لم يكن منه بد، أملاه ظرف الحسن، إذ التبس فيه الحق بالباطل، وتسنى للطغيان فيه سيطرة مسلحة ضارية.
ما كان الحسن ببادئ هذه الخطة ولا بخاتمها، بل أخذها فيما أخذه من ارثه، وتركها مع ما تركه من ميراثه. فهو كغيره من أئمة هذا البيت، يسترشد الرسالة في اقدامه وفي احجامه. امتحن بهذه الخطة فرضخ لها صابرا محتسبا وخرج منها ظافرا طاهرا، لم تنجسه الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسه من مدلهمات ثيابها.
أخذ هذه الخطة من صلح " الحديبية " فيما أثر من سياسة جده صلى الله عليه وآله وسلم، وله فيه أسوة حسنة، إذ أنكر عليه بعض الخاصة من أصحابه، كما أنكر على الحسن صلح " ساباط " بعض الخاصة من أوليائه، فلم يهن بذلك عزمه، ولا ضاق به ذرعه.
وقد ترك هذه الخطة نموذجا صاغ به الأئمة التسعة - بعد سيدي

(1) اقرأ ما يتعلق بنصوص المعاهدة وشروطها ومدى وفاء معاوية بكل منها في فصول هذا الكتاب.
(١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 ... » »»