صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٨
نشط معاوية في عهد الخليفتين الثاني والثالث، بإمارته على الشام عشرين سنة، تمكن بها في أجهزة الدولة، وصانع الناس فيها وأطمعهم به فكانت الخاصة في الشام كلها من أعوانه، وعظم خطره في الاسلام، وعرف في سائر الأقطار بكونه من قريش - أسرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم - وأنه من أصحابه، حتى كان في هذا أشهر من كثير من السابقين الأولين الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه، كأبي ذر وعمار والمقداد وأضرابهم.
هكذا نشأت " الأموية " مرة أخرى، تغالب الهاشمية باسم الهاشمية في علنها، وتكيد لها كيدها في سرها، فتندفع مع انطلاق الزمن تخدع العامة بدهائها، وتشتري الخاصة بما تغذقه عليهم من أموال الأمة، وبما تؤثرهم به من الوظائف التي ما جعلها الله للخونة من أمثالهم، تستغل مظاهر الفتح واحراز الرضا من الخلفاء.
حتى إذا استتب أمر " الأموية " بدهاء معاوية، انسلت إلى احكام الدين انسلال الشياطين، تدس فيها دسها، وتفسد افسادها، راجعة بالحياة إلى جاهلية تبعث الاستهتار والزندقة، وفق نهج جاهلي، وخطة نفعية، ترجوها " الأموية " لاستيفاء منافعها، وتسخرها لحفظ امتيازاتها.
والناس - عامة - لا يفطنون لشيء من هذا، فان القاعدة المعمول بها في الاسلام - أعني قولهم: الاسلام يجب ما قبله - ألقت على فظائع " الأموية " سترا حجبها، ولا سيما بعد أن عفا عنها رسول الله وتألفها، وبعد أن قربها الخلفاء منهم، واصطفوها بالولايات على المسلمين، وأعطوها من الصلاحيات ما لم يعطوا غيرها من ولاتهم. فسارت في الشام سيرتها عشرين عاما (لا يتناهون عن منكر فعلوه) ولا ينهون.
وقد كان الخليفة الثاني عظيم المراقبة لعماله، دقيق المحاسبة لهم، لا يأخذه في ذلك مانع من الموانع أصلا: تعتع بخالد بن الوليد، عامله على " قنسرين " إذ بلغه أنه اعطى الأشعث عشرة آلاف، فأمر به فعقله " بلال الحبشي " بعمامته، وأوقفه بين يديه على رجل واحدة، مكشوف الرأس،
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 2 3 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»