صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٦
يشتركان فيه من التحقيق، والدقة والاعتدال، وسطوع البيان والبرهان، والتأنق والتتبع، والورع في النقل، والرحابة في المناظرة، والإحاطة بما يناسب الموضوع، مع سهولة الأسلوب، وانسجام التراكيب، وبلاغة الايجاز إذا أوجز، وقبول الاطناب إذا أطنب.
فالكتاب يخضع لفكر منظم مبدع حجة، يصل وحدته بجداول دفاقة بالثراء العقلي والنقلي، وبروادف غنية كل الغنى، في كل ما يرجع إلى الموضوع، ويتم عليه عناصره القيمة.
فالاناقة فيه تخامر الاستيعاب، والوضوح يلازم العمق، والنقد التحليلي مرتكز هذه الخصائص.
أما المؤلف - أعلى الله مقامه - فإنك تستطيع أن تستشف ملامحه، من حيث تنظر إلى مواهبه في كتابه هذا، ولو لم أره لقدرت أن أرسم له صورة أستوحي قسماتها من هذا السفر، إذ يريكه واضح الغرة، مشرق الوجه، حلو الحديث، هادئ الطبع، واسع الصدر، لين العريكة، وافر الذهن، غزير الفهم والعلم، واسع الرواية، حسن الترسل، حلو النكتة، لطيف الكناية، بديع الاستعارة، تنطق الحكمة من محاسن خلاله، ويتمثل الفضل بكل معانيه في منطقه وأفعاله، لا ترى أكرم منه خلقا، ولا أنبل فطرة، عليما زاخرا بعلوم آل محمد، علامة بحاثة، أمعن في التنقيب عن أسرارهم، يستجلي غوامضها، ويستبطن دخائلها، لا تفوته منها واردة ولا شاردة، إلى خصائص في ذاته وسماته يمثلها كتابه هذا بجلاء.
ومن أمعن فيما اشتمل عليه هذا الكتاب، من أحوال الحسن ومعاوية، علم انهما لم ترتجلهما المعركة ارتجالا، وانما كانا في جبهتيهما خليفتين، استخلفهما الميراث على خلقين متناقضين: فخلق الحسن انما هو خلق الكتاب والسنة، وان شئت فقل خلق محمد وعلي. وأما خلق معاوية فإنما هو خلق " الأموية "، وان شئت فقل: خلق أبي سفيان وهند، على نقيض ذلك الخلق.
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»