صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ١٨
الاسلام منذ وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والى يوم الناس، لأنها كانت ظرف الخلافة الفريدة من نوعها في تاريخ الخلائف الآخرين، ولأنها بداية اقرار القاعدة الجديدة في التمييز بين السلطات الروحية والسلطات الزمنية في الاسلام، واللحظة التي صدقت باحداثها الحديث النبوي الشريف الذي أنبأ برجوع الامر بعد ثلاثين عاما إلى الملك العضوض، ولأنها الفترة التي تبلورت فيها الحزازات الطائفية لأول مرة في تاريخ العقائد الاسلامية.
ولم يكن قليلا من مجهود هذه الفصول، ان ترجع - بعد الجهد المرتخص في سبيلها - بالخبر اليقين عن الكثير من تلك الحقائق - أبعد ما تكون تأتيا في البحث، وأكثر ما تكون تفسخا في المصادر، وأقل ما تكون حظا من تسلسل الحوادث وتناسق الاحداث - فتعرضها في هذه السطور مجلوة على واقعها الأول، أو على أقرب صورة من واقعها الذي تنشأت عليه بين أحضان جيلها المختلف الألوان.
فإذا الحسن بن علي (ع) - بعد هذا - وعلى قصر عهده في خلافته، من أطول الخلفاء باعا في الإدارة والسياسة، والرجل الذي بلغ من دقته في تصريف الأمور، وسموه في علاج المشكلات، انه استغفل معاوية بن أبي سفيان أعنف ما يكون في موقفه منه حذرا وانتباها واستعدادا للحبائل والغوائل. وإذا بزواجه الكثير دليل عظمته الروحية في الناس. وإذا " بالصلح " الذي حاكه على معاوية أداته الجبارة للقضاء على خصومه في التاريخ، دون ان يكون ثمة اية مساومة على بيعة أو على خلافة أو على مال. وإذا كل خطوات هذا الامام، وكل ايجاب أو سلب في سياسته - مخفقا أو منتصرا - آية من آيات عظمته التي جهلها الناس وظلمها المؤرخون.
وكان من أفظع الكفران لمواهب العظماء، ان يتحكم في تاريخهم وتنسيق مراتبهم، ناس من هؤلاء الناس المأخوذين بسوء الذوق، أو المغلوبين بسوء الطوية، يتظاهرون بالمعرفة ويرتجزون بحسن التفكير، ثم يتحذلقون
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 25 ... » »»