صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ١٣
يذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، ويفرقهم عباديد، تحت كل كوكب، ويحرق بيوتهم، ويصطفي أموالهم، لا يألو جهدا في ظلمهم بكل طريق.
ختم معاوية منكراته هذه بحمل خليعة المهتوك على رقاب المسلمين، يعيث في دينهم ودنياهم، فكان من خليعة ما كان يوم الطف، ويوم الحرة، ويوم مكة إذ نصب عليها العرادات والمجانيق!.
هذه خاتمة أعمال معاوية، وانها لتلائم كل الملاءمة فاتحة أعماله القاتمة.
وبين الفاتحة والخاتمة تتضاغط شدائد، وتدور خطوب، وتزدحم محن، ما أدري كيف اتسعت لها مسافة ذلك الزمن، وكيف اتسع لها صدر ذلك المجتمع؟ وهي - في الحق - لو وزعت على دهر لضاق بها، وناء بحملها، ولو وزعت على عالم لكان جديرا أن يحول جحيما لا يطاق.
ومهما يكن من أمر، فالمهم أن الحوادث جاءت تفسر خطة الحسن وتجلوها. وكان أهم ما يرمي اليه سلام الله عليه، أن يرفع اللثام عن هؤلاء الطغاة، ليحول بينهم وبين ما يبيتون لرسالة جده من الكيد.
وقد تم له كل ما أراد، حتى برح الخفاء، وآذن أمر الأموية بالجلاء، والحمد لله رب العالمين.
وبهذا استتب لصنوه سيد الشهداء أن يثور ثورته التي أوضح الله بها الكتاب، وجعله فيها عبرة لأولي الألباب.
وقد كانا عليهما السلام وجهين لرسالة واحدة، كل وجه منهما في موضعه منها، وفي زمانه من مراحلها، يكافئ الآخر في النهوض بأعبائها ويوازنه بالتضحية في سبيلها.
فالحسن لم يبخل بنفسه، ولم يكن الحسين أسخى منه بها في سبيل الله، وانما صان نفسه يجندها في جهاد صامت، فلما حان الوقت كانت شهادة كربلاء شهادة حسنية، قبل ان تكون حسينية.
وكان يوم ساباط أعرق بمعاني التضحية من يوم الطف لدى اولي
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»