الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٥٠
وبلغه حديث فاطمة بنت قيس فلم يأخذ به، فخالف المالكيون رأي عمر، وأخذوا بنصف حديث فاطمة فلم يروا للمبتوتة نفقة، فخالفوا الحديث وعمر في النصف الثاني فرأوا لها السكنى. وعمر قد قرأ الآية كما قرؤوها. وهكذا فعلوا في رواية ابن عباس في حديث: حد المكاتب وميراثه ودينه بمقدار ما أدى فقالوا: خالفه ابن عباس فأفتى بغير ذلك، ولا حجة لهم في هذا لان هذا الحديث قد رواه أيضا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأخذوا به وأفتي به. فلم كان ترك ابن عباس للحديث حجة على عمل علي به؟ وقد يحتمل ترك ابن عباس وغيره لما روي وجوها منها أن يتأول فيه تأويلا كما ذكرنا آنفا، أو يكون نسيه جملة، أو يكون نسيه حين أفتى بهذه الفتيا المخالفة له كما ذكرنا آنفا فيمن أفتى منهم بخلاف القرآن وهو ناس لما في حفظه من ذلك، أو يكون لم يكن يبلغه حين أفتى بما أفتى به ثم بلغه الحديث بعد ذلك، فإن هذه الوجوه كلها موجودة فيما روي عنهم، فلا يحل لاحد ترك كلامه عليه السلام الفتيا جاءت عن صاحب فمن دونه مخالفة لما صح عنه عليه السلام، ولو تتبعنا ما تركوا فيه روايات الصحابة وأخذوا بفتياهم، وما تركوا فيه فتيا الصحابة وأخذوا برواياتهم، لكثر ذلك جدا، لان القوم إنما حسبهم ما نصروا به المسألة التي بين أيديهم فقط، وإن هدموا بذلك سائر مسائلهم.
وفيما ذكرنا كفاية.
وبالجملة فصرف الداخلة التي يعترضون بها على رواية الصاحب لما ترك برأيه أولى أن يكون إلى النقل - لمخالفته لذلك - منه إلى الرواية التي يلزم اتباعها. وهذا باب قد عظم تناقضهم فيه، فهذا ابن عمر وأبو برزة هما رويا حديث: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فحملاه على تفرق الأبدان، فخالفهما المالكيون والحنفيون فقالوا: التفرق بالكلام ولم يلتفوا إلى ما حمل عليه الحديث الصاحبان اللذان روياه. وهذا علي رضي الله عنه روى: الصلاة تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم ثم روي عنه تركه وأنه أفتى بأنه إذ وقع رأسه من السجود فقد تمت صلاته فخالفه المالكيون، ورأوا التسليم فرضا لا بد منه. وتناقضهم في الباب عظيم جدا.
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258