الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٣٩
فإنما هو مبيح لذلك الشئ فقط، وغير موجب له، ولا نادب إليه، لان الله عز وجل افترض عليه التبليغ وأخبره أنه يعصمه من الناس وأوجب عليه أن يبين للناس ما نزل إليهم فمن ادعى أنه عليه السلام علم منكرا فلم ينكره، فقد كفر لأنه جحد أن يكون عليه السلام بلغ كما أمر، ووصفه بغير ما وصفه به ربه تعالى، وكذبه في قوله عليه السلام: اللهم هل بلغت فقال الناس: نعم، فقال: اللهم اشهد قال ذلك في حجة الوداع.
فإن اعترض معترض بحديث جابر أنه سمع عمر رضوان الله عليهما يحلف بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم على أن ابن صياد هو الدجال فلم ينكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حجة علينا في هذا، لان ابن صياد في أول أمره كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شاكا في أمره، أهو الدجال أم لا؟ بذلك جاءت الأحاديث الصحاح ويبين ذلك قول عمر فيه: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فقال عليه السلام: إن يكن هو فلن تسلط عليه أو نحو ذلك من الكلام، فحلف عمر على تقديره ومن حلف على ما لا يعلم ولا يوقن أنه باطل ولا حق فليس هو عندنا حانثا ولا آثما، إذا كان تقديره أنه كما حلف عليه، فهذا الحديث حجة لنا، وليس فيه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم صدق يمينه فإنا في الحديث أن أمر ابن صياد كان حينئذ ممكنا، والحالف على الممكن كما ذكرنا لم يأت منكرا، فيلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تغييره.
قال علي: وأما من قال: إن أفعاله صلى الله عليه وسلم على الوجوب، فقوله ساقط، لان الله تعالى لم يوجب علينا قط في شئ من القرآن والسنن أن نفعل مثل فعله عليه السلام، بل قال تعالى: * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وانما أنكر عليه السلام على من تنزه أن يفعل مثل فعله عليه السلام، وهذا هو غاية المنكر كمن تنزه عن التقبيل في رمضان نهارا وهو صائم، أتنزه أن يمشي حافيا حاسرا زاريا على من فعل ذلك، وأما من ترك أن يفعل مثل فعله عليه السلام لا عن رغبة عنه فما أنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، وهذا التارك للائتساء به صلى الله عليه وسلم غير راغب عن ذلك لا محسن ولا مسئ ولا مأجور ولا آثم، والمؤتسي به عليه السلام محسن مأجور والراغب عن الائتساء به بعد قيام الحجة عليه إن كان زاريا على محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وما نعلم لمن صحح عنه فعلا ثم رغب عنه
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258